٭ «عاصفة الحزم»، أو التحالف العربي من أجل اليمن، الذي إلتحق به السودان ضمن عشر دول أخرى بقيادة المملكة العربية السعودية، جعل اسم «الحوثي» على كل لسان.. والناس في بلادي لا يعلمون إلا القليل عن هذه الجماعة.. التي آثرت عبر التاريخ أن تعيش حياة إنعزالية حتى في بلادها.. «اليمن السعيد».. فهي جماعة مخصوصة تنتمي لطائفة مخصوصة هي الطائفة الشيعية الزيدية، التي حكمت- للمفارقة التاريخية- اليمن منذ صدر الإسلام وإلى ما بعد منتصف القرن الماضي (1964) عبر أسرة واحدة هي أسرة «حميد الدين».. حتى وضعت الثورة بدعم من مصر عبدالناصر نهاية لنفوذها في اليمن الشمالي، وأقامت النظام الجمهوري على أنقاض حكمها بقيادة الجنرال عبدالله السلال.. فبرز غلاة الطائفة وخوارجها كحاملين «للواء الإمامة» التي لم يكن يؤمنون بفقهها المشهور، وكمعبرين في الوقت ذاته عن المظالم والتهميش الذي يعيشه الناس في أقصى شمال اليمن وغربه بين التضاريس الجبلية. ٭ الحالة «الحوثية» تستحق الإضاءة، تاريخاً وحاضراً، لأنها وبانفجارها في وجه الأمة العربية والإسلامية.. حتى شكلت تحدياً يهدد استقرار المنطقة ووحدتها وفرص التقدم الاجتماعي والنمو الاقتصادي فيها.. تؤكد ما ذهبنا إليه مراراً بأننا- العرب والمسلمون- لم نغادر (محطة الفتنة الكبرى) التي ضربت الجماعة المسلمة في صدر الإسلام، وظلت هذه الجماعة حاملة لخلافاتها ورؤاها المتضاربة للعقيدة ونظام الحكم فيها، عبر العصور.. تصطرع حولها وحول مصالحها المستجدة في ترابط وثيق بين ماضٍ منكود وحاضر مأزوم. ٭ فمن هم «الحوثيون» تاريخياً، ومن أين التصق بهم اسم «الحوثي» كعائلة لتعيش في الوقت الراهن، وماذا يريدون؟. ٭ إبتداءً، لا بد من التأكيد.. عبر الوقائع والشواهد الملموسة لسلوك الحوثيين «كجماعة» أنها لا تختلف كثيراً عن الجماعات الجهادية المسلحة المستبطنة لتراث الفتنة الكبرى.. فكراً وأهدافاً.. وإن اختلفت في المرجعيات المذهبية بين شيعة وسنة.. فهي تتفق معها في اتخاذ الدين جُنة ووسيلة للانتشار بين عموم الناس لخدمة أهدافها الخاصة وأجندتها.. وفي مقدمتها الصعود من قمم الجبال إلى قمة الحكم باسم الطائفة الزيدية والإمامة التاريخية في حكم اليمن .. برغم أنهم «كجماعة» انشقوا فكراً وعقيدة عن الطائفة الزيدية، وسلكوا طريق «حزب الله» في لبنان وأطلقوا على أنفسهم «أنصار الله» تيمناً بما فعله حسن نصر الله، ووجدوا في «إيران - ولاية الفقيه» حليفاً موثوقاً، ليخوضوا الحرب ضد بلدهم وشعبهم بالأصالة والوكالة في آن معاً. ٭ الأب المؤسس للجماعة، هو بدر الدين بن أمير الدين الحوثي، أحد كبار المراجع الشيعية في اليمن، وبرغم أنه وعشيرته يعتبرون أنفسهم جزءاً من الطائفة الزيدية، التي أخذت اسمها من الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.. زيد الذي انشق عن بقية الشيعة العلويين «الرافضة»، إلا أن بدر الدين الحوثي ذهب بعكس توجهات الزيدية التي تقترب من أهل السنة والجماعة باعترافهم بأحقية أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في الخلافة.. فبدر الدين يرفض «الترضية»- بلغة الشيعة- على الشيخين «أبو بكر وعمر» وعلى أمهات المؤمنين وفي مقدمتهم عائشة بنت الصديق، ويهاجم في رسائله ومنشوراته الصحيحين للبخاري ومسلم، ويتهمها بالتقَوُّل على الرسول صلى الله عليه وسلم.. وأخذ عنه ابنه حسين، مؤسس (تنظيم الشباب المؤمن)- نواة الحركة الحوثية المسلحة- أخذ عنه هذا المذهب وسار عليه هو وأنصاره من بعد. ٭ فالإمامة أو الخلافة عند أهل الطائفة الزيدية، في عمومها، ليست ب «النص والوصية» لعلي وأبنائه- كما لدى الطائفة الأثنى عشرية الإمامية «الروافض».. بل تتم بالاختيار والبيعة في (نسل الحسن والحسين) من أهل الحل والعقد، قريباً من عقيدة أهل السنة والجماعة التي تؤمن بالبيعة لمن يختاره الناس من (القرشيين)، قبل أن يأتي الأشاعرة وقبلهم الخوارج الذين عمموها على كافة أهل العدل والصلاح من المسلمين. نواصل.........