٭ طوّفنا في الحلقتين السابقتين من هذه (الإضاءة) على ماضي الحوثيين كجماعة دينية بزرت وتميزت وسط الطائفة الزيدية، التي اشتهرت برغم تشيّعِها وانحيازها إلى آل البيت (الحسن والحسين) وتمسكها بحقهم في الإمامة وإمارة المسلمين.. ذلك التميز الذي جعل هؤلاء الحوثيين في حقيقة أمرهم وخاصة معتقداتهم أقرب إلى الشيعة الإمامية الأثني عشرية أي «الروافض» كما يسميهم أهل السنة والجماعة.. فالحوثيون يؤمنون ب«الإمام العَالِم» الذي يفوق بعلمه الأنبياء الأولين والآخرين أجمعين.. مسقطين بذلك الحاجة إلى العلم والاجتهاد بين عامة المسلمين وخاصتهم، اعتماداً على المرجع الديني الأساس صاحب الحق في التعليم والتفسير والتأويل في كل شؤون الدين والدنيا .. وفي زمن «الغيبة» يوكل الأمر ل «الولي الفقيه» نائب الإمام الغائب، كما هو الحال في إيران الخمينية. ٭ دعونا ننتقل في هذه الحلقة، وما يليها، من ماضي الحوثيين إلى حاضرهم، الذي شكل أزمة تخطت اليمن لتمتد بتأثيرها إلى جوار اليمن القريب في السعودية والخليج، مما اضطر السعودية ودول مجلس التعاون لتشكيل تحالف عربي في مواجهة الخطر الذي أصبح يهدد الأمن القومي العربي برمته ويجعل منهم- أي الحوثيين- رأس جسر للأطماع الاقليمية الإيرانية ومدخلاً لهيمنة دولية يجرّد المنطقة العربية من كل قدرة على المقاومة الذاتية والقرار المستقل. ٭ إذا ما نظرنا إلى اتباع الطائفة الزيدية، أو ما يسميه اليمنيون ب «الزيود» من حيث الجغرافيا البشرية، فهم حسب آخر إحصاء جرى في اليمن عام (2002) يشكلون (30) في المائة من مجموع السكان، وبرغم أن الحوثيين في خاصتهم لا يزيدون عن (10) بالمائة في أوساط الزيود، لكن بنشاطهم وقوتهم باتوا يمثلون القوة المهيمنة على القرار حتى حولوا الزيود إلى «جمهور تابع للحوثيون».. ليس تبعية فكرية أو أيديولوجية.. لكن بحكم أنهم باتوا يمثلون الرقم الصعب في المعادلة السياسية والصراع المسلح الذي أخذ ينتظم اليمن اليوم.. آخذين في الاعتبار المظالم والتهميش الذي يعانيه الزيود عموماً في شمال البلاد وغربها، مما يدفع بالخلافات الفكرية والآيديولوجية إلى درجة أقل من حيث الترتيب في الأهمية.. وإلا لما وجد الحوثيون كل هذا المدد البشري الذي حولهم إلى بعبعٍ ومُهددٍ حقيقي لكل من سواهم.. حتى الحكومة المركزية بقيادة الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي.. وليجلب لهم دعم وصداقة عدو الأمس الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح وأنصاره . ٭ عندما نركز على الحاضر، ونتتبع سيرة الحوثيين- من خلال مواقع البحث الاليكتروني- نجد أن الحوثيين قد ذاع صيتهم وارتفع اسمهم بشكل لافت لأول مرة عام (2004) مع ظهور حركة مسلحة تواجه الحكومة اليمنية - بقيادة علي صالح- في صعدة، تلك المدينة الجبلية الشمالية، القريبة من الحدود السعودية.. وأخذت الحركة اسمها من مؤسسها «حسين الحوثي» أكبر أنجال بدرالدين بن أمير الدين الحوثي.. لكن البحث يهدينا إلى أن بداية الحركة الفعلية- قبل اشتهارها- تعود إلى العام (1968) عندما أنشأ والده «بدرالدين» مع مجموعة من الزيديين ما عرف وقتها ب «اتحاد الشباب» الذي كان يُعنَى بتدريس تراث الطائفة الزيدية بغرض الحفاظ عليه من الاندثار. ٭ وعندما نتقدم إلى العام (1990) تاريخ قيام الوحدة بين شمال اليمن وجنوبها والسماح بتأسيس الأحزاب، شارك بدرالدين بنفسه في تأسيس ما عرف ب «حزب الحق»، كمعبِّر عن اتباع الطائفة الزيدية.. وللمفارقة، فإن هذا الحزب كان بتوجهاته السياسية قريباً من الحزب الاشتراكي اليمني الذي حكم جنوب البلاد منذ الاستقلال وحتى قيام الوحدة بين الشطرين.. فالعقيدة الزيدية كانت منتشرة أيضاً بين العديد من قبائل الجنوب البدوية.. وعندما وقعت الحرب الأهلية بين النخبة الاشتراكية الجنوبية بقيادة علي سالم البيض ونظام علي صالح (1994)- التي سميت بحرب الانفصال- بدا «حزب الحق» معزولاً في الشمال، خصوصاً بعد هروب قادة الحزب الاشتراكي خارج البلاد، برغم انتخاب بعض قادته، ومنهم حسين الحوثي أعضاء في البرلمان منذ العام السابق (1993). (نواصل.....).