٭ كامب ديفيد أو «معسكر داؤود»- المنتجع الرئاسي الأمريكي- ارتبط في الذاكرة العربية منذ سبعينيات القرن الماضي.. عندما جمع بين الرئيس السادات وقادة العدو الإسرائيلي، أو في الثمانينيات عندما جمع بين الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أبو عمار واسحق رابين.. ارتبط بالتسويف والوعود البراقة من جهة، وزرع الفرقة وتشتيت الصف وإضعاف التضامن العربي «فلا حلم «السلام» الذي بشر به الرئيس السادات ومستضيفوه قد تحقق، ولا وعد الدولتين الذي دفع أبو عمار لمصافحة رابين قد رأي النور.. فمات رابين مقتولاً برصاص المتطرفين الصهاينة.. وقضى عرفات نحبه شهيداً في باريس بعد أن أمضى آخر أيامه حبيساً ومسموماً بين جدران مكتبه ب «المقاطعة» في رام الله. ٭ «كامب ديفيد» اختارها أيضاً الرئيس الأسمر باراك أوباما ليلتقي فيها بقادة مجلس التعاون الخليجي، في هذا الوقت الحرج، وليزجي وعوداً جديدة لقادة الخليج.. لكن موضوع الوعود هذه المرة ليس العدو الصهيوني، ولكنه الجار الشرقي التاريخي «إيران» حيث المركز الرئيس «لدولة الفقيه» الشيعية الأثني عشرية العاملة على تفكيك الدول الوطنية العربية.. جمهوريات كانت أو ممالك.. عبر حروب الوكالة كما يحدث في البحرين ولبنان واليمن أو التدخل المباشر- إذا دعت الضرورة - كما حدث أو يحدث في العراقوسوريا.. متخذة من الصراع الطائفي وسيلة وذريعة. ٭ اللافت، أن زعماء الخليج لم يعوِّلوا كثيراً على ما يمكن أن يصدر عن قمة أخرى في «كامب ديفيد».. وفي ذلك بعض «فطنة المؤمن» وحصافة السياسي.. التي تحسب لصالح أولئك الزعماء.. فقد قرر الملك (الحازم) سلمان بن عبدالعزيز ورئيس الإمارات خليفة بن زايد، وملك البحرين حمد بن عيسى، وسلطان عُمان قابوس، أن يغيبوا عن هذه القمة «الما جايبه حقها» .. والتي لم يحضرها من هم في مقام رأس الدولة سوى أمير الكويت وأمير قطر.. فسلمان بعث بولي عهده ابن أخيه الأمير محمد بن نايف وولي ولي العهد نجله وزير الدفاع محمد بن سلمان، بينما بعث خليفة بولي عهده وأخيه محمد بن زايد، أما قابوس فبعث بمسؤول كبير لم نتبين موقعه في منظومة الحكم العمانية.. أما ملك البحرين فقد رأى أن حضور سباق للخيول أهم من حضوره تلك القمة.. فتجربة زعماء الخليج مع أوباما لا تبعث على الثقة والطمأنينة، خصوصاً بعد الذي شهدوه في سورياوالعراق ومصر، مما أكد لهم أن التردد هو طابع الرجل ومناط سياسته.. يقول شيئاً ويتراجع عنه أو يفعل شيئاً معاكساً بعد مرور أيام قليلة، وقصة حشد الأساطيل الأمريكية على الشواطيء السورية وسحبها بلا مقدمات لا تزال في الذاكرة. ٭ قمة كامب ديفيد تناولت بالبحث قضيتين رئيسيتين تتصلان كلاهما بإيران.. التدخلات الإيرانية في المنطقة عبر وكلاء يمولونهم ويسلحونهم أو الاندفاع عبر عناصر «الحرس الجمهوري» للتدخل المباشر إذا استلزمت الخطة أو تطلب الموقف، بالإضافة إلى الأزمة السورية التي تباينت فيها المواقف الأمريكية والخليجية تجاه مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه. ٭ إيران من جانبها استخفَّت بالدعوة الرئاسية الأمريكية واعتبرتها كأنها لم تكن، ففي الوقت الذي كان أوباما يلتقي قادة الدول الخليجية في كامب ديفيد، تحرشت الزوارق الإيرانية بسفينة تجارية سنغافورية في الخليج، مما ألجأها إلى ميناء جبل علي، حيث تصدت زوارق الإمارات البحرية ووفرت لها الحماية.. كما إنها أرسلت سفينة أدعت أنها محملة بالإغاثة إلى الموانيء اليمنية تحت حماية بوارج عسكرية، لكن مع موقف الحكومة اليمنية التي سحبت سفيرها من طهران ومع إصرار السعودية والتحالف العربي على التفتيش قبل السماح لها بالرسو أضطرت لسحبها. ٭ مثل هذا السلوك يؤكد لأي مراقب حصيف أن إيران لن تكترث بما يصدر عن القمة .. خصوصاً لو كانت نتيجتها مجرد تصريحات من الرئيس أوباما أو بيان ختامي يطنب في الوعود والتمنيات.. فالشفرة الحقيقية عندها في العلاقات الأمركية الإيرانية يمكن قراءتها وحل رموزها في الملف النووي الذي تنتظر التوقيع على صفحاته خلال أسابيع معدودة .. وعندها سيكون لكل حادث حديث. ٭ غداً نقرأ في تفاصيل بيان كامب ديفيد الختامي وما ينطوي عليه من معانٍ لا تخرجه من حقيقة كونه كلام في كلام.. لا يرقى إلى مقام الالتزام القانوني بين الدول. (نواصل .......)