قبل أيام دفعتني الشقاوة المتأصلة في نفسي لفتح صندوق أسراري ، الصندوق التحفة يتضمن أوراقاً صفراء بها خربشات وتواريخ عبرت في حياتي التعيسة ، ولأنني كنت وحدي بدون رقيب ، أخرجت البوم الصور اليتيم المسترخي في الصندوق ، صرخت من جوه ألجوه يآآآآآآه هل هذا انا ؟ ، زول عظام أكتافه ظاهرة ونظراته ذائقه ويحمل على رأسه غابة من الشعر الكثيف ، وفي لقطة أخرى كنت اربط القميص في وسطي ، هذه اللقطة بالذات أضحكتني حتى ظهرت أسناني الصفراء لأنني كنت في اللقطة ، زول نحيف وضامر الجسم مثل كلب الصيد ، قلت في نفسي ( الله يخيبك ) كنت بوهيميي من الطراز الأول ، الآن يا جماعة الخير بعد ان قطعت السنين الكثير من سنوات العمر بدأت اسأل هل البوهيمية ضرورة في حياة الإنسان وهل الإنسان حينما يضرب الدنيا بالجزمة القديمة يمكن ان يكون مبدعا حتى النخاع ؟ هذا ما كنت أتصوره في الماضي والماضي ولي زمان على حسب قول صديقنا النباتي التيجاني حاج موسى ، عموما مشاهد صوري البوهيمية أعادت إلى دماغي الخربان مشهد مبدع سوداني معروف شاهدته في قناة فضائية سودانية وهو ( مبهدل ) نفسه آخر بهدلة ، ربما يكون صاحبنا هذا يعتقد ان شعره المنكوش وذقنه غير الحليقة من محفزات الابداع ، وهنا يطل سؤال بوهيميي ليس له ضابط ولا رابط عن اسباب ربط الانتاج الإبداعي بالبوهيمية والصرمحة وحب الحياة نعم حب الحياة ومن لا يعرف حب الحياة عليه سؤال اقرب جار له أو أي عابر بجواره في الطريق ، للأسف تشير دفاتر الواقع إلى ان الكثيرين من أصحاب الانتاج الانساني في الوطن العربي وافتهم المنية بسبب ممارسات خاطئة في حياتهم ولاعتمادهم البوهيمية والصعلكة في الكثير من ممارساتهم الحياتية ، حتى لدينا في السودان هناك الكثيرون ممن ركبوا قاطرة البوهيمية وانتهت حياتهم بصورة مأساوية نتيجة لذلك ، ومن هؤلاء شعراء وفنانون وسياسيون والبقية تأتي ، وفي الوطن العربي الكبير نجد ان البوهيمية ضربت منصات الكثير من المبدعين فانتقلوا إلى الضفة الأخرى نتيجة إفراطهم في السهر والبلاوي الزرقاء ومن هؤلاء المطرب المصري الشعبي محمد عبد المطلب وعبقري المسرح والشعر نجيب سرور والمطرب الكويتي عوض دوخي ، والفنان الإماراتي جابر جاسم ومطربة المقامات السورية ربى الجمال والمغربي محمد شكري صاحب الخبز الحافي ، عموما احمد الله ان تبت من البوهيمية والصعلكة منذ سنوات طويلة ولو كنت حتى الان ضارب الدنيا بالصرمة القديمة لكنت الان في مستشفى التيجاني الماحي أو أتجول في السوق العربي حافيا وبشعر وسحنة باهتة من اثر الشمس والغبار في الخرطوم ، عموما ادعو معي وارفعوا أياديكم ان يتمكن السودان من التغلب على حالة البهدلة والبوهيمية التي يعيش فيها ، لكن بصراحة نحن لا نلوم السودان على بوهيميته ولكن نلوم من أوصله إلى هذه الحالة المزرية بركاتك يا وطن بركاتك