بالأمس نعي الناعي نبيلاً من نبلاء السود ان، وعظيماً من عظمائه، فقد رحل الأخ الكريم الأستاذ أمين عبد المجيد، وقد بلغني أول ما بلغني نبأ وفاته من أحد عارفي قدره وفضله وهو الأستاذ عبد العظيم عوض ونحن نتأهب للخروج من استديو الأزهري بالاذاعة السودانية ظهر أمس، وقال لي إن الموت غيب الأستاذ أمين إثر حادث حركة مؤسف، وحسبت أن الحادث كان في طريق التحدي، الذي أخذ يلتهم الأرواح والبشر بشراهة لا تنتهي وقد بلغ بي الحزن مبلغه وعدت إلى الصحيفة لأتلقى محادثة من الأخ الكريم الأستاذ محمد حمزة الكوارتي ليبلغني ذات النبأ ويقول لي أن جثمان الفقيد الطاهر سيوارى ثرى مقابر السيد المحجوب بعد صلاة العصر مباشرة والصلاة على الجثمان في مسجد السيد علي الميرغني - رضى الله عنه - بالخرطوم بحري. رتبت أمري والأستاذ محجوب فضل بدري على أن نتحرك معاً عند الرابعة لنكون مع المشيعين، ولحظة دخولنا للمسجد كان الآلاف يتوافدون للمشاركة في الوداع الأخير لأحد النبلاء الذين قل أن يجود بهم الزمان.. ولا أبالغ إن قلت إن وجوهاً كثيرة غابت عن ناظري سنين عدداً طالعتها يوم أمس تكتسي بالحزن والألم. للراحل تاريخ طويل مع العمل العام ومع خدمة المجتمع، معرفتي به بدأت في العام 1979م، وكنت حينها محرراً صحفياً صغيراً وشاباً، عرفته في مدينة عطبرة وكنت موفداً من قبل صحيفتي التي أعمل بها، وهي صحيفة «الأيام» الغراء لوضع ترتيبات خاصة لعلاج الفنان الكبير الراحل الأستاذ حسن خليفة العطبراوي، وموفداً في ذات الوقت من نادي الهلال للترتيب مع بعض أندية عطبرة لإقامة دورة خاصة يخصص دخلها لعلاج الفنان الراحل.. هناك تعرفت على الأستاذ أمين عبد المجيد الذي كان مديراً لفرع بنك الخرطوم لكنه كان يشغل موقعاً مهماً آخر هو رئيس لجنة تطوير مدينة عطبرة، ويشغل قلوب الناس أجمعين، إذ كان رجلاً يبذل نفسه ووقته وماله لغيره، وقدمني له صديقنا الراحل المقيم الرياضي المعروف السيد حسن عجمي، وقد توطدت علاقتي بالأستاذ أمين منذ ذلك الوقت وإلى يوم رحيله الأليم. أراد الله أن ينتقل الأستاذ أمين للخرطوم ويصبح مديراً لبنك الخرطوم ثم مديراً للبنك الإسلامي السوداني لكن صلته بعطبرة لم تنقطع ولا بولاية نهر النيل، ولا بالعمل العام..وقد تعرض لابتلاءات عديدة في حياته واختبارات صعبة، منها أنه أصبح في عداد المفقودين بعدأن تاهت مركبته في الصحراء ثلاث مرات، وواجه المرض بعد ذلك وأجرى عملية في القلب، لكنه عاد ليقف على قدميه من جديد ويواصل عمله الجليل، وما كان يدري ولا نحن أيضاً أن الله اختار له الشهادة فجر أمس وهو يتمشى بعد أداء الصلاة ليصدمه سائق حافلة متهور.. وجبان لأنه آثر الهرب من تبعات فعلته. رحيل الأستاذ أمين ليس فقداً لأسرته وأهله أو لمدينته عطبرة أو لطائفة الختمية التي تقدم راعيها ومرشدها مولانا محمد عثمان الميرغني وأنجاله للصلاة عليه، ولم يكن فقداً للمصرفيين والعاملين في قطاع البنوك الذين لم يتغيب منهم أحد.. بل كان فقداً كبيراً للوطن كله. اللهم أرحم أمين وأغفر له وأسكنه فسيح جناته وأجعله من أصحاب اليمين.. آمين.