٭ كان المادح هو ممثل تيار التصوف في صراعه مع الفقه، ولذا كان يتعرض فى خندقه ذاك للتحرش والمضايقات، ما استدعى أن يستصدر الشيخ عبد الرازق أبو قرون فتوى إجازة المديح، جاء نصها هكذا: «مثلما تمدح الله ورسوله يجوز لك ان تمدح شيخك».. ثم زُيِّلت تلك الفتوى برجز من طالبها، يدل على أن التحرش بالمادحين كان جزءاً من أدبيات الصراع بين الصوفية والفقهاء..قال: القطب ان نهمته في الضيق سمَّاع/مدحه جاز ليّ كتاب سنة واجماع».. أنطر: الطبقات ، ص304 .. ٭ الشاهد هنا هو تخندق كلٍ من الصوفية والفقهاء من قديم، تعصباً مع أو ضد «التوسل»، وحتى في عصرنا هذا، ما يزال التوسل بالأولياء قضية تكفيرية بين التيارين، إذ يرى أنصار السنة التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، على أنه من أنواع الشرك الأكبر، ويرى الصوفية أن جعل التوسل شركاً وكفراً موقف فيه معارضة صريحة لقواعد الإسلام..أنظر: يوسف السيد هاشم الرفاعي، أدلة أهل السنة والجماعة أو الرد المحكم المنيع على منكرات وشبهات بن منيع في تهجمه على السيد محمد علوي المالكي المكي، ط1، الكويت/1404ه/1984، ص85 - 89 ٭ قُسم أدب المدائح إلى ثلاثة ألوان ، يجمعها إطار فكري واحد هو التصوف، على اعتبار أن التصوف هو جوهر الدين كما عرفه زعيم الفكر الجمهوري، في كتابه، سلسلة أسئلة وأجوبة، الكتاب الثاني، الصّادر في نوفمبر 1971، ص 17، حيث يقول إن التصوف هو جوهر رسالة الاسلام على حد قوله بالإنجليزية : t OfTusawwuf is really the hear» Islam and the message of God as revealed in Koran and that it is Tasawwuf which explains the true «meaning of Islam ٭ والمدائح كتعبير عن جوهر الدين يمكن تبويبها على النحو التإلى: ٭ إنشاد عرفاني: وهو شعر الوجد المشبّع بلغة الرمز الصوفية، و في هذا النمط تتكاثف مصطلحات القوم في مدح الجناب الإلهي، ووصف المشاهد، والمخاطبات، والحضرات..إلى آخر خطوات السالكين، ولا تكاد تجد رائداً في التصوف تخلّف عن الإتيان بهذا اللون الناطق بإبانة عن التجربة الذاتية.. وقد كانت الملكة أو الأداة الشعرية كلسان حال لذوي الوجد، هي التي تنقل التجربة وأصداءها للآخرين، فينطلقوا منها في التعبير عن ذواتهم، مثلما قال الشيخ عبد الغني النابلسي، أنّ ذاك فن لا يعرفه إلا أهله: « أنا النور المبين ولا اُكني/ أنا التنزيلُ يعرفني ابن فني يضل الله بي خلقاً كثيراً/ ويهدي بي كثيراً فاستبِنّي ولكن لا يضل سوى نفوسٍ/ بإنكار بغت، وبسوء ظن».. ٭ وقد برع في هذا اللون من صوفية السودان الشيخ قريب الله، حياتي محمد، العجيمي، عوض الكريم موسى، وعصام عبد الرحمن، ومحمد عثمان عبده البرهاني في قصائده البرزخية..» من قصائد السيد محمد عثمان عبده البرهاني، التى أملاها بعد انتقاله، و نُشرت باسم القصائد البرزخية، قوله في القصيدة السادسة والثمانون بتاريخ 1/6/6891 «مذاقك مِني شهدُها إن شهدتها / وحيث أذاقت مُرها كان حالِياً ويصبح فيها العبد ذا سرمديةٍ / إذا هو أبقاه الفنَا عاش راضياً يقول أنا وحدي وإن شاء بعدُها/ يقول أنا أني أنا ، جلّ شأنيَّ».. و من أمثلة هذا اللون في عصر الفونج، هذه الأبيات المنسوبة في الطبقات ، للشيخ موسى الوثيقي: « نظرت إلى المحفوظ في كل ساعة / تناهيت عن إظهار حكم الدهية أمرُ على الآفاق أنظر ما بدا / فأخبر عن ذكر النواحي البعيدة وارجلنا تسعى على الأرض جملةً / وفي مرة طيراً تطير بسرعة مقال عباد الله شرقاً ومغرباً / بأذني له أسمع سماعاً بشهرتي وعيني حقاً قد ترى كل ما يُرى/ وأُدعَي إلى كل النواحي لفنيتي نظرت إلى الجبل الذي كان نوره / يلوحُ على الأكوان كُحلاً لمقلتي فناجيت حقاً فوقه متضرعاً / ففاضت له ،منه، إليه، إشارتي».. ..الشطر الأخير:» ففاضت له ،منه، إليه، إشارتي «، فيه بعض عبق جاد به السيد أحمد التجاني، في فريدته «جوهرة الكمال»،، والنص اجمالاً، يشير الى تاريخية ارتباط نخبة من المادحين بالوتر العربي في الثقافة السنارية..