عرف المديح كفن غنائي ديني قديم.. ومؤخراً نال المديح حظه من البحث والتحليل.. د. أنس العاقب استاذ الموسيقي والملحن المعروف نال درجة الدكتوراة عن أطروحته (الخصائص اللحنية والايقاعية في موسيقى الطرق الصوفية - الطريقة السمانية نموذجاً) وماجستير ترجمة في مكانة الموسيقي في الثقافة الاسلامية ، كل ذلك كون لديه آراء جريئة حول مواصفات المادحين، ومديح المرأة ودخول الموسيقى والالحان الهابطة على المديح.. الى نص الحوار.. ---- * يقال إن الغناء نوعان ديني ودنيوي.. هل فعلاً يصدق على المديح «غناء»..؟ - طبعاً كله غناء.. الدنيوي كثيف والديني لطيف، او الروحي.. وفيه يتخلص الانسان من الجسد لذلك المتصوف يقهر جسده ويصبح ولياً.. او روحاً والدنيوي مربوط بالجسد والعواطف الانسانية، حب الحياة حب الولد.. وهو غناء من المهد الى اللحد. * أيهما سبق الآخر..؟ - الديني طبعاً، حتى بقصة الخلق، وتعمير الارض جاء برسالة والرسالة لا يمكن أن تكون غناء.. * اذن لماذا تأثر المديح بألحان الغناء وأخذ عنه، هل الغناء الدنيوي الاكثر تطوراً وإنتشاراً.. - إذا نظرنا الى تطور الغناء، فإن بدايات المديح أخذت عن التراث المحلي، لان تحول السودان من دولة مسيحية الى دولة مسلمة كان لابد أن يأخذ وقتاً طويلاً لتنشأ ثقافة إسلامية، ولم تكن لتنشأ ثقافة إسلامية لو لم تكن عناصرها موجودة. ومعروف أن شمال ووسط السودان إستقر فيه الاسلام متأخراً. بعد قيام السلطنة الزرقاء فأخذت الطرق الصوفية بعضاً من ملامحها من الغناء المحلي خصوصا وان أغلبهم كانوا مغنيين- الحان الماحي نموذجاً كان طنبارياً- لذلك أصبح الامر متبادلاً، الغناء يأخذ عن المديح والعكس إلى أن اصبح للمديح مدرسة خاصة به «مدرسة» حاج العاقب، ودحليب، حاج الماحي ود أبو شريعة ، احمد ود سعد والاخيرة فنها مستقل ولم يتأثر.. ثم جاءت مدارس حديثة بعد ظهور الاذاعة وبدأت تظهر الحاجة للأخذ من الغناء.. = صمت وقال.. وأهم من ذلك أن الحقيبة قامت على اكتاف المديح من ناحية خصائص فنية وليس من الطنبرة، كما يزعم بعض المؤرخين، والمديح في تقديري أرسى الخصائص التي تميز بها السودان في الوسط والشمال. * بمعنى..؟ - أصبح لأول مرة في تاريخ الغناء في السودان تنظير، مربع، معشر، همباتي وقدم مفاهيم جديدة حربي، ود قلاشي.. وكلها تعبر عن وحدة كل الايقاعات الموجودة في المنطقة ثم أن بنيوية القصيدة نفسها أصبحت ثابتة.. * لماذا لم توظف أطروحتك للرد على ما يحدث في الساحة؟ - الاطروحة ليست مصداً لما يحدث في الساحة هي رسالة غير مسبوقة وهناك جهات عديدة اتصلت بي لنشرها على النت.. لكن ككتاب لم أجد اي تشجيع من جامعة السودان لنشر هذه الرسالة لخلاف بيني وبينهم والكلية نفسها لم تتحمس للمسألة بدليل أن رئيس اللجنة الممتحنة د. مكي سيد أحمد عندما أوصيت بأن المديح وبما له من قيمة فنية عالية يجب ان يدخل الكلية.. لكن رئيس اللجنة.. رأي ان المديح لا يدرس في الكلية وتمنى أن تقوم الطرق الصوفية بافتتاح معهد تدرس فيه المديح أو الغناء الديني.. * لكنك تميل للكتابة عن الغناء دون المحاولة لتصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة عن المديح..؟ - ما يحدث الان في الساحة بدأته بمقالات في هذه الصحيفة وواصلت في صحيفة السوداني، وهاجمت سياسة إذاعة الكوثر في انها فتحت الباب لكل من هب ودب وللمتكسبين من المديح.. ولم أستطع المواصلة لان الكثيرين لا يملكون شجاعة هذا الطرح من النقاد والاكاديميين، كما أن كثيراً من الصحف تتحفظ على مثل هذا الطرح القائل.. إفساد المديح بالالحان المبتذلة أفضل منه التعايش مع الغناء الهابط.. ولا نسمع .. رسول ذي دا أصلو ما شفنا «مستغربا» حولنا الرسول «ص» من حب الاله إلى الحب الدنيوي.. * يرى البعض أن دخول الالحان الغنائية على المديح. هي بغرض إجتذاب جمهور اضافي للمديح..؟ - أنا ضد قصة انا داير أجذب.. الغناء جاذب بطبعه، دينياً ودنيوياً وما محتاج إلى تحفيز.. وهل معني ذلك أن المديح الرصين كان منفرا ثم من قال ان المديح سيكون بديلا للغناء أقول له إنها فكرة «سقيمة» أو إستبدال أحدهما بالآخر، وهما مكملان لبعضهما، دينياً ودنيوياً.. لكن هناك اتجاهاً لافساد المديح.. * من جهات بعينها..؟ - هو اتجاه لا أستطيع تحديد مصدره. * إيهما اكثر إفساداً للمديح الكلمات ام الالحان.. - هي غير منفصلة عن بعضها.. أصبح المديح يستخدم في الاعلانات، كما أن النغم وحده يقود للتهتك والفجور بدون كلمات وهذه مسألة فطن اليها الاغريق والصينيون قبل 4 آلاف سنة، يعني أن نأخذ الكلمة «الشينة» ونضع بدلاً عنها كلمة «سمحة» تظل خصائص النغمة ثابتة كما سمعتها الاذن أول مرة وبمفردتها. * أصبح تقريباً كل الفنانين مادحين من يمدح الرسول «ص»..؟ - ليس كل مغن مادحاً او يمتلك القدرة على المديح، واولاد المدن أقل الناس موهبة في المديح.. لكن ما دام كل الفنانين أصبحوا مادحين أو أحبوا المديح لماذا يرفض إتحاد المهن الموسيقية ضم إتحاد المادحين والمنشدين ولماذا في مهرجان المديح الديني يسافر أصحاب الغناء الدنيوي واصحاب الحق موجودون. * أنا قصدت هل للمادح مواصفات معينة..؟ - من يريد أن يمدح الرسول «ص» عليه أن يقتدي به.. وربنا مدح الرسول «أنك لعلي خلق عظيم» وقال «ص» «إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق» أستطيع أن أجزم وأنا سليل أسرة دينية لم نسمع أن مادحاً ما كان يشرب الخمر.. كل المادحين في انحاء السودان معروفون بالورع والتقوى لأنهم يحملون رسالة لذلك من يريد أن يمدح الرسول لابد أن تكون سمعته طيبة ويؤدي فرائضه. * ولو أن الامر يحتاج الى فتوى.. لكن ما رأيك في مديح النساء..؟ - أنا شخصيا ضد مديح النساء.. في التاريخ وخلال 0041 عام نساء قليلات جداً مادحات.. وأنا عمتي كانت مادحة لكن وسط النساء فقط.. صمت وقال صوت المرأة عورة في المديح.. * الا يعتبر الامر تناقضاً منك فأنت تقبلها مغنية.. - إذاً الظروف سمحت لها غناء الدنيا فانا اتحفظ على غنائها في المديح، المديح فن رجالي وعليها الاتجاه للانشاد الديني كما تغنت به ام كلثوم ونجاة الصغيرة. * الفنانون الذين مدحوا هل قدموا إضافة للمديح..؟ - بعضهم أضاف مثل ابن البادية وعبد العزيز داؤود وكابلي.. لكن وردي لم يضف.. وهناك من تأثروا بالمناخ الصوفي وقدموا تجربة غنائية ممتازة تحس فيها بالتصوف أمثال الجابري ، الامين عبد الغفار، خالد الصحافة إذا أشرك الكورس.. وهناك من لم يضف شيئاً، لم يعجبني مديح محمود عبد العزيز رغم أدائه الجميل للغناء وكذلك نبوية الملاك وبدون ذكر أسماء هناك من لا يجب ان يمدح وآخرون عليهم الاختيار بين المديح الشرقي والسوداني.. * من الغناء الديني الى الدنيوي.. عند عودة البلابل صرحت بأنه سيكون هناك إنتاج بينكما. هل تم ذلك فعلاً..؟ - إبتسم وقال.. البلابل لم يفقن من دهشة العودة وكنت أحسب وهن في هذه السن ان يكن أعددن لمرحلة أخرى طالما ان القبول الجماهيري وسط المثقفين كاسح، توقعت بما لهن من تجربة ان يعدن النظر في المرحلة القادمة وكنت أحسب أنني ساكون واحداً من التجربة القادمة ودونما إلغاء لتجربة بشير عباس الرائدة في تكوين البلابل، ومتى يفقن من هذه الدهشة اتمنى أن يسابقن الزمن بخطى راسخة وواثقة ويصحون بدلاً من خفة الجاذبية.. ولا أعتقد أن واقع ومستقبل البلابل بعد غياب 53 عاماً سيكون مريحاً إذا لم يأخذن الامر بشكل جدي وإلا سيتحولن الى ظاهرة ناجحة عابرة بعد سنوات قلائل.