بعد أن يكمل الدارس في مؤسسات التعليم العالي دراسته، ويقضي فترة الخدمة الوطنية يحتاج الى استخراج بطاقة منها- «الخدمة الوطنية»-، تبين أن الدارس قد أدى واجبه الوطني، ولاستخراج هذه البطاقة تطلب إدارة الخدمة الوطنية من الدارس احضار الشهادة الجامعية وموثقة، ولا أدري ما السر في أن تكون موثقة، ما دامت الشهادة صادرة عن جامعة وطنية معترف بها، ومعروفة لدى إدارة الخدمةالوطنية، وقد وضعت خاتمها على الشهادة، فالتوثيق عادة لأغراض الدراسة العليا أو العمل أو غير ذلك خارج البلاد، فالتوثيق يوضح للدولة الأجنبية أن الشهادة صادرة من مؤسسة تعليمية عليا معترف بها في وطنها، وأن حاملها أمضى الفترة المقررة للدراسة، واجتاز الامتحان النهائي حسب مقررات الدراسة المرسومة، وبذلك تحصل على تلك الدرجة الجامعية، وتبدأ قصة هذا المقال من نقطة طلب إدارة الخدمة الوطنية للشهادة موثقة من التعليم العالي والبحث العلمي، وللوفاء بهذا الطلب أخذ الخريج الشهادة، وذهب الى قسم التوثيق في وزارة التعليم العالي، وهناك فوجيء الخريج بأن طلبت منه إدارة التوثيق في الوزارة أن يحضر لها شهادة من جامعة النيلين -كلية القانون- تعتبر بأن الخريج والذي تم توزيعه لدراسة القانون فيها خلال العام الدراسي 2001-2002 لم يلتحق بتلك الكلية حسب إفادة جهاز الكمبيوتر في إدارة التعليم العالي والبحث العلمي، ولا ندري ما الحكمة من وراء هذا الاجراء، ونسأل ماذا يمنع توثيق هذه الشهادة ولهذا الخريج الذي غير رأيه من دراسة القانون في جامعة النيلين الى دراسة طب وتقانة الأسنان في جامعة الرباط الوطني؟ إن كانت الفكرة الاستفادة من خانة هذا الخريج في كلية القانون، فالفرصة قد ذهبت، وناحية أخرى الفكرة تدل على عدم تحديث وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الى معلوماتها في أجهزة الكمبيوتر الخاصة بها.. ومن جهة ثانية فالجامعات لا توافيها بواقع الطلاب الدارسين فيها إذ من الأنسب أن تقوم كل جامعة بنهاية العام الدراسي الأول بمد إدارة القبول في التعليم العالي بالعدد الفعلي للدارسين الذين أمضوا الفصل الأول في كلياتها المختلفة، لتصحح إدارة القبول وثائقها على ضوء تلك الإفادات، وللحصول على الشهادة التي طلبتها إدارة التوثيق بوزارة التعليم العالي وهي أن الخريج لم يواصل دراسته في تلك الكلية التي تم توزيعه فيها وفي تلك الجامعة، فإن الخريج يحتاج الى وقت كبير بين إدارة الكلية والبحث في سجلاتها سواء في جهاز الكمبيوتر أو غيره، وبين سكرتارية الشؤون العلمية، إذ يكتب عميد تلك الكلية الى سكرتير الشؤون العلمية بالمعلومة ويقوم سكرتير الشؤون العلمية بمخاطبة إدارة القبول في وزارة التعليم العالي.. طرحت الموضوع على عدد من الزملاء لمعرفة رأيهم في هذا الإجراء عسى أن يجد عند اي منهم ما يبرر اتخاذه، فالمثل يقول نصف رأيك عند أخيك وحكمة تقول: رأيك خطأ يحتمل الصواب، ورأي غيرك صواب يحتمل الخطأ، ولكن جميع الذين تحدثت اليهم أبدوا دهشتهم واستغرابهم وأفادنا أحدهم بأن طالبة تخرجت في كلية الهندسة في جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، جاءته في منزله اي قبل أن يخرج الى مكان العمل «صباحاً» تطلب مساعدته لأنها ذهبت إلى إدارة التوثيق في التعليم العالي والبحث العلمي لتوثيق شهادتها، لتقديمها الى إدارة الخدمة الوطنية لاستخراج بطاقة أدائها للخدمة، ولكنها فوجئت بأن طلبت منها إدارة التوثيق شهادة من جامعة زالنجي تفيد بأنها لم تدرس بالكلية التي تم توزيعها اليها عند القبول العام قبل خمس سنوات، وقال صاحبي إن الذي تم قبوله في جامعة النيلين محفوظ فما بالكم بهذه الآنسة التي عليها أن تسافر الى زالنجي لاحضار تلك الشهادة، فانظروا الى الكلفة المالية التي تدفعها هذه الطالبة، وكم تستغرق رحلتها الى زالنجي، والصعوبات التي سوف تواجهها إذا ما علمنا آنذاك أنه قد تم اختطاف مدير جامعة زالنجي نفسه بواسطة مسلحين، فإذا كان هذا هو الحال آنذاك وبذل معها محدثنا جهوداً كللت بالنجاح، وقدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تلك الظروف، فوثقت لها الشهادة. هذا اجراء نتوقعه من أي وزارة سوى وزارة للتعليم العالي والبحث العلمي، وإذا بحثنا علمياً أيها القاريء الكريم عن أثر هذا الإجراء على الخريج طالب المعاملة نخرج بالآتي: ü عدم تمكنه من توثيق شهادته وهذا يقود الى: - عدم تمكنه من استخراج بطاقة أداء الخدمة الوطنية ونتيجة لعدمها فإنه لا يستطيع أن: - يتقدم لأي وظيفة في القطاعين العام والخاص لارتباط ذلك باداء الخدمة الوطنية. - وبعدم توثيق الشهادة لا يستطيع الخريج أن يتقدم لدراسة فوق الجامعية خارج البلاد. فهلا تكرمت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بإعادة النظر في هذا الشرط والغائه، وإن كان لابد من العمل به، فعلى الوزارة الموقرة أن تتأكد أن لجامعات الولايات وخاصة البعيدة منها في الجنينة، والفاشر، وبورتسودان، وكسلا، وسائط اتصالات سريعة وفاعلة في مكاتب تنسيقها بالعاصمة، وأن تكون هذه المكاتب ذات صلاحية لتحرير الشهادة المطلوبة، لأنها في النهاية لا تضر الجامعة في شيء، وذات فائدة للخريج كما سبق أن بيّنا في هذا المقال.