إنهم يا سادتي .. جيل الغضب والرفض والثورة الذين اشعلوا الحريق الطويل في الأمكنة فارتفع ضجيج الشارع وسار خلفهم .. جيل العطاء والسخاء بلا حدود الذين اعطوا واعطوا ولم يستبقوا شيئا وروا بعرقهم الارض وتشبع بهم ملح الارض فاشتعلت الحقول قمحا وبواريدا وازهارا شكلوا بها ملامح الزمن الوسيم وتلاقوا كالرياح الاستوائية وتدفقوا جساره واقتحموا عين العاصفة وتوهجت جباههم بغبار الذهب المطحون ودقوا علي ابواب الصيف المتأخر فتهاوت وانفتحت وكان اكتوبر الاخضر . انهم ذاك الجيل الذي كان يتجول في مسارب الشرايين والعصب الذي شكل خارطة النبض في الاجساد الفتية والأرواح التي لا تهدأ أبداً . كانوا كالأزهار البرية التي تقاوم الجفاف والعدم وكانت الازهار تتفتح في رؤوسهم وتشتعل جمالاً وخيالاً وابجدية معطاءه بلا حدود وكانت تنفتح امامهم كل السدود في النهر القديم وكانت ايضاً تنفتح امامهم ابواب لغتنا الجميلة التي كانت تحملهم بجناحين من الابداع الي دنياوات فسيحة.. خصلاتها مجدولة بالحرير والعطر وعبق شقائق النعمان. كانوا لا يتعاملون مع الملل والاحباط واسوار المستحيل وكانوا لا يأبهون بضربات الحياة ومرارات المسقبة بل كانوا كاشجار الصندل كلما طرقتهم الفؤوس يزدادون عطراً وشعراً وموسيقي ، وكتابات لا تعرف التثاؤب كانوا يكتبون ما يكتبه خيال الجن وكانوا يقضون عطله نهاية الاسبوع في منتجعات وادي عبقر ويتحدون مع عناصرها في كيمياء واحدة. إنهم يا سادتي حملة المشاعل الذين اضاؤا الحياة وشكلوا ملامح الزمن الوسيم .. هم فيهم شعراء وروائيين ومسرحيين وموسيقيين ومفكرين وكان فيهم عثمان الجمال .. عثمان جمال الدين الذي اثري الابداع والامتاع واشعل الاضواء في معهد الموسيقي واالمسرح الذي تطور واصبح كليه جامعية. جالت بخاطري هذه المعاني وانا استمع الي صوت البروفيسور عثمان جمال الدين وهو يقدم برنامجه الاذاعي الراتب «استديو الدراما» وكان في الحلقة التي شرفت بالاستماع اليها قد استضاف المبدعان المسرحيان مصطفي احمد الخليفة وجعفر سعيد وهما يمثلان ضلعان مهمان في فرقه الاصدقاء المسرحية المكونه من محمد نعيم سعد وفيصل حسن سعد وجمال عبد الرحمن واخرون ويا سبحان الله فانني من اشد المعجبين بفرقة الاصدقاء المسرحية وكنت اتابع اعمالهم الكبيره حتي الراتبة التي تحمل اسم «متاعب» كما أنني أيضا من اشد المعجبين والمتابعين لابداعات البروفيسور عثمان جمال الدين ولعل هذا الاعجاب قد دعاني للكتابه عنه في هذه الزاوية، وإن كان هناك ما يذكر عن محطات ومسيرة البروفيسور عثمان جمال الدين كان لابد لي من الاشارة الي الدور الكبير الذي قام به البروف في انجاح المشروع الثقافي العربي الكبير الذي كان يختار واحدة من العواصم العربية لتكون عاصمة للثقافة وكان قد وقع الاختيار علي ان تكون الخرطوم عاصمة للثقافة العربية عام 2005م وفي هذا الاطار وفيما يتعلق بالحركة الماكوكيه التي كان يقوم بها البروفيسور عثمان جمال الدين كمشرف عام ل«الخرطوم عاصمة للثقافة العربية 2005م» كنت قد التقيت به في مكتب الراحل الشيخ طه الشيخ الباقر امين عام المجلس القومي للذكر والذاكرين وكنت وقتها أعمل متعاونا في المجلس في منصب رئيس تحرير مجلة «الفيض» التي كان يصدرها المجلس آنذاك وكان الراحل المقيم الشيخ طه الشيخ الباقر قد حرص علي ان اشارك في ذاك اللقاء الذي طلبه البروف عثمان جمال الدين ليتعرف علي ما يمكن ان يقدمه المجلس من التراث الديني والثقافي المتعلق بالطرق الصوفية والخلاوي ليقدم ذلك عبر برامج «الخرطوم عاصمة للثقافة العربية عام 2005م» وقد تم في اللقاء الاتفاق علي ما يمكن عرضه وتقديمه. أما عن مسيرة البروفيسور عثمان جمال الدين فيمكن ان اوجز ذلك في أنه كان قد حصل درجة الماجستير في الآداب «فولكلور» من جامعة الخرطوم وحصل بعدها علي الدكتوراة في الفلسفة في الدراسات الأفريقية- جامعة أفريقيا العالمية كما حصل على دبلوم الدراسات العليا في الاخراج من اكاديمية الفنون بالقاهرة وحصل علي دبلوم الدراسات العليا في الفنون الشعبية من القاهرة ايضا وحصل علي دبلوم المعهد العالي للموسيقي والمسرح - وعمل أستاذ مشارك- أستاذ بروفيسور - عضو المركز السوداني للهيئة الدولية للمسرح السوداني الخرطوم - مؤسسة أروقة وأصدر مؤلف خيال الظل وهو عباره عن دراسة للمجتمع المصري من خلال تمثيليات ابن دنيال كما اعد دراسات في الطبقات وقدم احاديث للنفس والحياة بعنوان ظل الظلال وله مؤلف باسم التحولات. ذكرت آنفاً في صدر هذا الموضوع حديثا عن جيل الغضب و الرفض والثورة وكان البروفيسور عثمان جمال الدين قد جايل اولئك المبدعين الحقيقيين فلمع نجمه بل غدي احد المتفوقين واصبح ملئ السمع والبصر وكان في مقدمة الذين اشعلوا الحريق الطويل في الامكنه فارتفع ضجيج االشارع وسار خلفهم وظهر انذاك اخطر عمل مسرحي عبر تماما .. تماما عن اشواق جيل الرفض وكان بعنوان «نحن نفعل هذا أتعرفون لماذا؟» ثم تتابع بعد ذلك ظهور الأعمال الدرامية الضخمة منها اعمال عمر الحميدي من إخراج عمر الخضر منها مسرحية السيل ودربكين الليل وتفجرت في الآفاق أعمال ابداعية شاهقة في كافة مجالات الإبداع، وطفت على السطح اسماء لمعت في سماء الابداع اذكر منهم علي سبيل المثال لا الحصر .. هاشم صديق .. يوسف عايدابي .. محمود خليل .. مكي سناده .. عمر الدوش .. حمدنا الله عبد القادر .. سعدالدين ابراهيم، وفي مجال الإبداع الكتابي ابراهيم اسحق .. محمد المهدي بشري .. يوسف ادم ابكر محمود محمد مدني .. مجذوب عيدورس ..نبيل غالي وفي مجال الإبداع الموسيقي الماحي إسماعيل - أنس العاقب - عمر الشاعر .. بشير عباس .. جمعة جابر .. مكي سيد أحمد .. وأخرون في كافة المجالات المذكورة آنفاً .. منهم من اختبأ في طيات عباءة الذاكرة الخربة، لهم مني العتبى حتى يرضوا. بقى القول: إنني أتوجه بالانحناءة والتحية لأولئك المبدعين وفي مقدمتهم البروفيسور عثمان جمال الدين الذي لا أدعي أنه صديقي على المستوى الشخصي، وأتمنى ذلك غير أنه صديق وقريب إلى دقات عقلي وكيمياء زيت قلبي في مسألة التلقي الإبداعي.