الساحرة المستديرة: دخل السودان إلى عالم الساحرة المستديرة، أستضاف مباراة مصر والجزائر في يوم 18 نوفمبر 2009م، وكان السودان ناجحاً في استقبال إخوانه، وكان الإعلام حريصاً على عبارات ثناء شبه متساوية لكليهما، فمصر هي الخطيبة، والجزائر هي الحبيبة، واستقبل نادي المريخ الفخم الضخم هذه المباراة الخطيرة، وكان السودان كله حركة، وكل حركة فيها بركة، وكان الخطباء مذيعين ومنظمين، يختارون العبارات الجميلة، ويقولون مصر والجزائر، الجزائر ومصر، ودخل خطباؤنا هذا الميدان بحساسية شديدة وبمحبة كبيرة، وكان الأمل أن من ينتصر منهما سوف يهنيء الآخر في احترام كبير، لأن انتصار مصر هو انتصار لنا، ولأن انتصار الجزائر هو انتصار لنا، ولأن المهزوم منتصر لأن الانتصار حققه أخ له، وأنا لا أعرف كيف أتعامل مع الساحرة المستديرة، ولم أدخل في دنياها الجميلة، وأقف كثيراً أمام بعض التعبيرات الرياضية التي أسمعها أو أقرأها مثل: مشوار الإجادة، الجوهرة الزرقاء، لقد دخل هذا الى الكشف الأزرق بعرق جبين مقدراته، محترف من العيار الثقيل، منجم مواهب كرة القدم، إطار المستطيل الأخضر، أقتحم اللاعب قلوب الجماهير، الإنتظار على دكة البدلاء، استعادة المخزون البدني، السرعة في الإستلام والتمرير، اللعب من لمسة واحدة، الضغط على حامل الكرة، سرعة الإرتداد لحظة فقدانها، وجمل تكتيكية كثيرة. لقد تمت المباراة في الخرطوم، وكان الانتصار لفريق الجزائر، ولكن ما حدث بعد هذا من تصرفات لا يتناسب مع قاموس الساحرة المستديرة، ولا يشبهها، ولكن كل هذا ليس دليلاً على مشاكل بين الشعبين، فقط إن المشجعين فقدوا آداب التشجيع، وكان الكلام الذي لا لزوم له والذي كان من العيار الثقيل، وسوف تجتاز مصر والجزائر هذا الموقف، لأن من أساء إنما أساء إلى نفسه، وهو لا يعبر عن بلده، والرئيس مبارك عرف بحكمته وهكذا الرئيس بوتفليقة، ولقد تبادلا التهاني بمناسبة عيد الأضحية المبارك، وهما مثلان حيان ونموذجان عظيمان للتضحية والفداء. لا تكره: وأريد أن أقول لا تكره مصرياً ولا جزائرياً، ولا لزوم للكراهية، إن الساحرة المستديرة من أهدافها أنها تجمع ولا تفرق، تصون ولا تبدد، تجمعنا في حماس، وتفرقنا في حب، لهذا لا تكره جزائرياً، لأن الجزائر هي وطن المليون شهيد، ولأن الجزائر عاش ألم الاستعمار ولكن لم ينكسر أمامه، لقد انتصر وقدم أغلى ما يملك من أبنائه، ولم يكن وحده في المعركة، كانت معه مصر والسودان وكل البلدان العربية، وأنا أحب الجزائر جداً لأن منها تألق القديس أوغسطينوس وهو من مواليد سوق أخرس في الجزائر، وقد كان فيها عميد الفلسفة العالمية، وعميد الفلسفة المسيحية، وأخلاقه لنا مثلاً ونبراساً، فلقد كان ماجناً ثم أعترف بكل خطاياه، وكتب أجمل ما كتب في الإعترافات، واعترف علناً وفي كتاب عن كل خطاياه طالباً مغفرة الله، لأن من يكتم خطاياه لا ينجح، ومن يقر ويعترف بها يرحم، وأرض الجزائر التي رويت بدماء الشهداء هي أرض مقدسة طاهرة ترفض العنف والكراهية. ولا تكره مصرياً أيها الجزائري، وهذه هي نصيحة موسى النبي إلينا، لقد نقلها إلى أبناء يعقوب من الله مباشرة، فلقد قال الرب: لا تكره مصرياً لأنك كنت نزيلاً عنده، جاء هذا في سفر التثينه 23:7، وهو كلام مدعوم بأدلة، الله يقول لليهود ولكل يهودي لا تكره مصرياً، فكيف يكون المصري مكروهاً من جزائري هو شقيق له في أشياء كثيرة، ولقد دعم الرب كلامه بالدليل، لأن مصر استضافت يعقوب وأبناء يعقوب، كان اليهود كلهم نزلاء في مصر زمن المجاعة والتي أدار الأزمة فيها يوسف بن يعقوب ونجح في إدارته، دخل يعقوب مع الأبناء والأحفاد إلى مصر زمن المجاعة كانوا كلهم سبعين نفساً، وكان هذا في عام 1885 قبل الميلاد، واستقروا في مصر أربعمائة وثلاثين عاماً وكان الخروج عام 1446 قبل الميلاد، وكان عدد أبناء يعقوب بعد هذه المدة ستمائة ألف مسن من الرجال عدا الأولاد وعدا النساء أيضاً، ويقدر عددهم بمليونين، هكذا زادوا وتكاثروا، وتأتي وصية الله عن طريق موسى لا تكره مصرياً لأنك كنت نزيلاً عنده، وأقول لا تكره مصرياً ولا جزائرياً، لأن ما لنا وما عندنا وما فينا أكبر من ذلك، وأحبوا بعضكم بعضاً واجتازوا حرارة التصرف الرديء، ومرحباً بالجزائر ومرحباً بمصر مرة ثانية، بل مرات على أرض السودان الكريم.