٭ في مثل هذا اليوم وفي صبيحته كانت هذه المعركة الفاصلة.. بين غردون والمهدي.. فعندما أحس غردون بخطورة الشيخ العبيد وهزيمته لجيشة مرتين بالحلفايا.. رأى أنه لابد من الهجوم على الشيخ في دياره وهزيمته.. فعهد بالأمر إلى أحسن قادته العشرين: محمد على باشا حتى يستطيع أن يوقف الحصار المضروب على الخرطوم من ناحية الشرق من جيوش الشيخ العبيد.. ولقد كان لحيوية هذا الجيش أثراً بالغاً في تفتيت قوى غردون وتضييق الحصار عليه وعلى ساكني الخرطوم.. فسار في وأبورين بالنيل حتى وصل العيلفون وحارب أهلها .. وأبلى أهلها بلاءً شديداً في صد العدوان بقيادة الشيخ المضوي.. ولكن المفاجأة وقوة السلاح انتصرت وتشتت قوات المضوي.. وانسحب منها كثير نحو أم ضواً بان. فاتجه محمد علي بجيشه الذي يفوق الألف جندي بعدتهم وعتادهم صوب أم ضوبان لتلقين الشيخ العبيد درساً لن ينساه .. كما زعموا .. وفي 3 سبتمبر 1884 تحرك محمد علي تجاه أم ضبان واستقر في اليوم نفسه في قرية على مقربة منها.. بينما عسكرت جيوش الشيخ العبيد في غابة الكرنوس خارج نطاق القرية.. ٭ وتجلت عبقرية الشيخ العسكرية وتخطيط قادته في جر الحملة إلى غابة الكرنوس.. فكان خدعة الحرب والتكتيك العسكري المصحوب بالإيمان والقلب العامر بحب الله والجهاد في سبيله. ودارت المعركة الشرسة بين قوى الإيمان والضلال.. ولم تكن إلا جولة قصيرة أباد فيها جيش الشيخ العبيد أكبر رصيد عسكري.. فتبقى لغردون في حماية دولته الظالمة.. ووجد القائد التركي نفسه محاطاً ومحاصراً بجند الله.. فافترش فروته على عادة أهل السودان برجاء الموت لا الانسحاب وكانت النهاية له.. ولحكومة الخرطوم التي نالت ضربة قاضية فقدت فيها أكثر من ألف جندي جلهم من أقوى وأعتى جيشه.. فقتل من جنود غردون مع قائده الكبير محمد علي الف وسبعمائة وسبعين مقاتلاً.. ومن جنود الرحمن استشهد سبعين رجلاً. قيادة الجيش: القائد الفعلي لجيش الشيخ العبيد ابنه الأكبر الخليفة أحمد ومعه من أبناء الشيخ الخليفة الكرار والخليفة حسب الرسول وجل أبناء الشيخ .. وقاد المعركة في الميدان الشيخ الطاهر والشيخ العباسي والخليفة سعد وجاه الرسول وود أصول. ٭ واشتركت كل القبائل في هذه المعركة براياتها. وكانت راية الشكرية بقيادة أحمد ود عمارة وراية المحس لمضوي عبد الرحمن وأحمد ود الفريع.. وراية المسلمية للشيخ العباسي.. وراية العسيلات البشير ود المساعد وعثمان ود البشير.. وراية المغاربة محمد ود عبد السلام وراية البطاحين طه ود عبد الباقي وراية الحسانية سليمان ودكاسر وراية العبدلاب ناصر ود الأمين سمار. وهكذا إنتهت هذه المعركة بهذه الوحدة القوية لقبائل الشرق مع الشيخ العبيد في دحر قوى الظلم والاستبكار. وهذا الجهد السياسي والعسكري الدعوي الذي بذله الشيخ العبيد لنصرة الثورة المهدية خير دلالة على صدق جهوده لنصرة الدين وإعادة كلمة الحق. وشكل هذا الجهد مثالاً صادقاً ونموذجاً فريداً لشيوخ التصوف عامة فهم أقدر الناس على جمع الناس بالقدوة الحسنة والتواضع ونكران الذات.. ألا رحم الله أموات الشيخ وأبناءه والملتفين حوله في نصرة الدين وما أحوجنا لهذه الجمع وتوحد الكلمة نحو وحدة الوطن وتآلف أهله لدرء المخاطر صفاً واحداً قوياً متماسكاً وفي ذكرى معركة الشيخ اللهم أنصرنا بنصرك.