ًَ٭ طالعتُ يوم الخميس الماضي خبراً بثته «سودان تريبيون» ونشرته بعض الصحف المحلية.. يقول الخبر المنسوب لوزير الدولة بوزارة الاعلام ياسر يوسف ان الحكومة ستطلق حملة اعلامية كبرى على مدى الثلاثة شهور المقبلة ل(تسويق) مشروع الحوار الوطني، بوضع القرار الرئاسي الخاص بتسخير الأجهزة الاعلامية الرسمية «للاحزاب المشاركة في الحوار» موضع التنفيذ.. قال يوسف ذلك اثناء اجتماع لآلية (7+7) مع أمانات اعلام الأحزاب المشاركة في المبادرة، معلناً عن تخصيص ميزانية لحملة الترويج الكبرى هذه (150.000) مائة وخمسين الف جنيه فقط لا غير، وان الحملة ستمتد لقنوات اخرى «خاصة» هي الشروق والنيل الازرق، بالاضافة الى موقع اليكتروني خاص بالحوار وتفعيل صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي. ٭ ما استوقفني وشد انتباهي في هذا الخبر هو ملاحظتان تضربان بقوة في اعماق «فكرة الحوار الوطني» ذاتها وغاياته المرجوة: ٭ الأولى هي «تشييء الحوار».. أي تحويله لشيء أو سلعة «للتسويق والترويج» وهي فكرة منقولة «بضبانتها» من نهج اللوبيات الامريكية مع اجهزة الاعلام «غير الرسمية» في عمومها في بلاد العم سام، حيث تقوم هذه اللوبيات «المستأجرة» بتسخير أجهزة الاعلام والصحافة عبر تخصيص ازمنة بث بالاجهزة المشاهدة او المسموعة أو بتخصيص صفحات أو شراء وتجنيد اقلام كتاب مشهورين للترويج للموقف او الرأي السياسي الذي تتبناه جهة ما لقاء جُعلٍ معين من المال خصصته ل(التسويق).. بينما عندنا هنا، فالامر استدعى رصد (150) الف جنيه.. بما يعادل (15) الف دولار، بعد ان وصل سعر الدولار في السوق الموازي الى أكثر من 01 جنيهات.. وتقديري ان السبب في ذلك ان جل أجهزة الاعلام عندنا رسمية ومملوكة للدولة او شبه رسمية وسيتم «تسخيرها» بحسب التوجيه الرئاسي ل(تسويق الحوار) وبالاشراف المباشر من قبل القائمين على هذه الاجهزة. ٭ اما الملاحظة الثانية، والتي لا تقل أهمية، فهي ان المدعوين للمشاركة في هذه الحملة الترويجية هم ممثلو الاحزاب المشاركة في الحوار، اي الموالون للحكومة واطروحاتها بشأن الحوار الوطني.. بما يعني الاصطفاف والاستقطاب لجبهة المؤيدين لوجهة النظر الرسمية حول الحوار من حيث الشكل والمضمون والنتائج المبتغاة.. واستبعاد وإقصاء وجهة النظر المقابلة او المعارضة او حتى الناقدة.. بما يحوّل الامر الى نزاع حول الحوار، وليس الى حوار حول النزاع والازمات التي تعانيها البلاد والتي يفترض ان يبحث الحوار عن حل ومخرج لها، عبر تنازلات متبادلة.. تُعلي من شأن ما هو «وطني» على حساب ما هو «سلطوي او حزبي» ابتغاءاً للمصلحة العليا للوطن والمواطنين.. وهذا ما ستفتقر اليه حملة «التسويق والترويج» هذه.. لأنها معنية أولاً واخيراً بوجهة نظر الحكومة ومن والاها. ٭ سيكون انفع للحكومة وللبلد ان تم توفير المائة وخمسين مليون «بالقديم» هذه، لغرض آخر اكثر الحاحاً، كجمع النفايات او ترميم شبكات المياه المهترئة، عوضاً عن الصرف على تسويق «وجهة نظر الحكومة» التي يعملها القاصي والداني.. والتي لن يزيدها كثرة الشرح والإلحاح الا إفساداً للمعنى وتشكيكاً في الغرض وتوسيعاً للهوة بين الموالين من جهة والمعارضين وحتى المراقبين المنصفين من جهة اخرى.