في الأسبوع الأخير من أغسطس الماضي عقد والي الخرطوم الفريق أول ركن عبد الرحيم محمد حسين مؤتمراً صحفياً ، خصصه لإعلان حكومته الجديدة ، وأكد في حديثه عدم وجود صراعات تسببت في تأخر إعلان الحكومة ، وشدد على وحدة صف الحزب بالولاية ، بل إنه سعى جاهداً لتأكيد عدم وجود جهة تعرقل سير العمل. وفي برنامج (صالة تحرير) ، بقناة الخرطوم مساء أمس الأول وقريباً من ذلك ، أشار رئيس تحرير الغراء (السياسي) مصطفى أبو العزائم إلى أناس - لم يسمهم - يعرقلون جهود الحكومة الجديدة ،بينما خالفه الرأي الضيف الثاني الكاتب الصحفي محمد لطيف الذي أبدى عدم إيمانه بنظرية المؤامرة، وذلك بعكس ما ورد في زاوية (آخر محطة) بالصحيفة أمس .. لكن هل طريق الجنرال خالٍ من الألغام ؟ وهل من جهات تنصب كميناً ل (الفريق أول) أو تعتزم فعل ذلك ؟ وهل بالخرطوم دولة عميقة ؟. بدأ عبد الرحيم مسيرته بالولاية بحذر، ربما كونه لم يتوقع خروجه من كابينة مجلس الوزراء، وظهر ذلك جلياً يوم تأدية حكومته للقسم حيث أعقب الخطوة تعارف ، وبعد سرده نشأتة والمواقع التي تقلدها قال »وقذف بنا إلى ولاية الخرطوم« ثم ختم حديثه بعبارة سبقها بضحكة (فكونا بنبلة) .. وهو مايعني أن الوالي (ربما) لم يفق بعد من صدمة مغادرته وزارة الدفاع على الرغم من أن عبد الرحيم رجل عسكري يعرف أن لأي معركة اسلحتها وميدانها. لكن حالة الحذر استمرت معه، إذ لم يعفِ حكومة سلفه عبد الرحمن الخضر وتركها تعمل بجانبه لعدة أشهر، بعكس بقية الولاة ، مما أثر كثيراً على الأداء العام للحكومة وكل ذلك في محاولة لتأمين نفسه من أي محاولات لانتياشه ، بعد أن (قُذف) به في أحراش الخرطوم خاصة وأنه تفاجأ بأن الولاية (محاصرة) بالديون وعدد من البنوك أشهرت أسلحتها في وجهها ، بجانب ضعف خطوط الإمداد (الموارد) ، وشكا من تلك المشاكل مبكراً وعلي الهواء مباشرة رغم أن قواعد العسكرية تحرم علي (العسكري) أن يفتح أي ثغرة في دفاعاته بل أن حسين ، أفشى بمعلومات غاية في السرية عندما اعترف ، ببيع حكومة الولاية السابقة لمعظم أراضي وساحات الولاية وذلك في أول لقاء له بالصحفيين في الخيمة الرمضانية حيث ذكر أن المورد الوحيد كان وزارة التخطيط ولكن (الحتات كلها باعوها). غير متناسين أن إدارة ? أي ولاية ? تتطلب توافر البعد السياسي. وأقر عبد الرحيم شخصياً بضعف علاقته بالسياسة والمؤتمر الوطني، وللمفارقة قال ذلك الحديث في أول اجتماع له جمعه بالمكتب القيادي للحزب بالخرطوم، وكشف بأن أول درس تلقاه عن التنظيم والعمل السياسي كان على يدي والي شمال كردفان أحمد هارون، والسبب أنه سخر (43) عاماً من حياته في خدمة الجيش ولم يكن هناك ما يشغل باله سواه.ويقول مسؤول الإعلام بأمانة حكومة الخرطوم الطيب سعد الدين والذي عاصر عدداً من الولاة (لا اعتقد أن هناك أحداً ضد الوالي) ، وأشار في حديثه للصحيفة للتحديات التي تجابه الولاية والتي هي ليست بخافيه على أحد. بينما يرى آخرون أن عبد الرحيم يعيش حالة من الانكماش ولم يمسك بعد بكل مفاصل الولاية ، وأن إيقاعه لا يتناسب مع الأوضاع بالولاية، فضلاً عن قله المسوؤلين بحكومته، و الذين من الممكن أن يطلق عليهم صفة (النجم). ولكن هناك مؤشرات تدل على أن جهات داخل (خنادق) ستخرج وتواجه عبد الرحيم لحظة تجرده من السلاح ، وهي الجهات المتضررة من ملف الأراضي ، وهو الملف الذي أبطل فاعلية عبد الرحمن الخضر وربما حسين يعلم بذلك فسمى وزير التخطيط من الجيش .. الفريق حسن صالح، ولم يترك الامر للحزب، كما سد ثغرة محلية الخرطوم والتي كانت تحلق فوقها باستمرار (طائرات الانتقاد) فأتى برجل من بني جلدته ? الفريق أحمد عثمان أبو شنب.. روبما يكون عبد الرحيم سمى الرجلين فقط وترك بقية الاختيارات للحزب، هذا بخلاف المتاعب التي سيجلبها له أصحاب شركات المقاولات والإنشاءات حال سار بذات النهج الذي قام بإعماله في الجيش. كما أن صراع التحلق حول الرئيس الذي ظل مشتعلاً منذ عهد مدير الامن السابق صلاح عبد الله (قوش) والوزيرين السابقين أسامه عبد الله وكمال عبد اللطيف سيدفع البعض لإشغال عبد الرحيم بتفجير (قنابل المشاكل) هنا وهناك، وإن كان الأخير رفض حتى الإقامة بمنزل الوالي وفضل البقاء بمنزله، حيث تسهل الحركة منه للوصول للبيت الرئاسي. لكن صاحب الخيمة الرمضانية الكاتب الصحفي محمد لطيف جدد حديثه بعدم إيمانه بنظرية المؤامرة، وبدا مطمئناً لامتلاك الوالي لكاسحة ألغام بالقول ل (آخر لحظة) عصر أمس : ( لا أحد يستطيع أن يواجه عبد الرحيم وهو رجل حاسم وغير مرن في المسائل الرسمية ، ولا يقبل تلويح أو تلميحاً من أحد) .. لطيف الوثيق الصلة بحسين عزز حديثه بأن عبد الرحيم نفسه يعتبر دولة عميقة، بل أتٍ من العمق. ويشخص محمد لطيف المشكلة التي تواجه عبد الرحيم بل الولاية والسودان عامة في حالة التردي العام للخدمة المدنية التي وصفها ب (المريعة)، وقال : (العيب مافي الحكومة في الناس) بالإشارة إلى أن الموظف يحاول أن يعمل في ثماني ساعات (مدة الدوام) ، كل حاجاته وذكر لطيف وبكثير من السخرية مايلي (زيارة مريض وبيت سماية وإصلاح سيارة في المنطقة الصناعية والجلوس الطويل في المسجد عقب الصلاة والاستغفار والتعبد) وختم حديثه هذه ألغام في طريق أي مسؤول.