راي : يوسف عثمان اسحاق ٭ لست هنا بصدد الخوض في شؤون المسرح، فلهذا الإتجاه أهله المتخصصون فيه، علماً ومعرفةً وتجربةً عملية.. وقد تابعت عدداً من الكُتَّاب الذين تناولوا شأن المسرح، البعض تباكى على أيامه الخوالي التي كانت فيها تجوب الفرق المسرحية البلاد مقدمة عروضها على الجمهور المتعطش، وقتها كانت العروض لكل أنواع الفنون وأبيها المسرح. ٭ طافت بخيالي ذكريات ونحن طلاب في المرحلة المتوسطة.. كيف كان المسرح يصوغ الفكرة.. فالمجتمع فالدولة بأسلوب جاذب حركي سلس يجعلك تتابع النص المسرحي والحركات مقارناً بالواقع المعاش.. كيف كانت المسارح على قلتها تهيأ لتكون الحاضن للفكر ثم الباعث التحليلي له، بل وتقديم الحلول لكل المشاكل والمعضلات الاجتماعية والسياسية، لقد كان المسرح وقتها فعلاً أبو الفنون. ٭ سأفرد هذا المقال للمسرح المدرسي الذي ما غابت عنه حتى الآن شمس بحكم تتابع الدورات المدرسية التي حرصت الدولة على قيامها كل عام، ورغم المعضلات الإدارية والمالية وأحياناً السياسية.. ولكن هل اُعطِى النشاط المسرحي حقه من الاهتمام حتى تعطي هذه المسارح للدولة شعباً أو أمة كما هو الهدف والشعار؟؟. ٭ لابد من إثبات حقيقة هي أن الدولة ممثلة في وزارة الثقافة قد رفعت يدها عن المسرح وأعماله عموماً.. وصارت أعماله أقرب إلى الخصخصة التجارية التي تسيدت السياسات الاقتصادية ثم اندلقت نحو الثقافة بمفاهيمها المعلومة.. فجاءت الخصخصة الثقافية المسرحية فجة خطيرة في أطروحاتها النقدية أو التحليلية للقضايا التي تطرحها، لقد خلت نشاطاتنا المسرحية من طرح المستقبل أو حتى مجرد تغيير لون النظارة التي تمكّن المشاهد للأعمال المسرحية من تذوق طعم الألوان أو التجاوب مع وتيرة النص المسرحي وموسيقاه، لا الذي يجعلك تقارن بين الأعمال أو بين نص وآخر، أين تكمن مقدرة كاتب النص على الحبكة الدرامية التي تقود المشاهد أو المتابع أو المحلل إلى مقصد الكاتب برؤية في النهاية لايختلف فيها اثنان في المفهوم للقضايا المطروحة.. ولكن ما ذهبت إليه لم يَخلُ من ظهور إشراقات مسرحية تتناول في نصوصها وأدائها الحركي، الهم العام والخاص بمستوى إلى حد كبير يرضي شرائح المجتمع المغلوبة على أمرها. ٭ نعود للمسرح المدرسي الذي لا تستطيع الدولة أن تتركه للخصخصة الفنية.. فالمدرسة هي البوتقة التي تنصهر فيها كافة مكونات وشرائح المجتمع لتصاغ أو تعاد صياغتها بأسلوب وقالب وطني تطمئن فيه الدولة إلى أن انتاجها كماً ونوعاً يمكنه اجتياز كافة الاختبارات النفسية والعقلية والبدنية.. بحيث تتحقق عملية العقل السليم في الجسم السليم.. إذ أن المسرح المدرسي رغم النص الموجه، والحركات المقصودة والمعاني المحددة التي ترتبط في كل مرحلة دراسية بحالتها الخاصة، فيه الخلاص والانعتاق من ربقة الخصخصة التي شوهت الكثير من مجالات حياتنا مادية كانت أو معنوية.. ٭ إن الفعل المسرحي المدرسي إذا أعيد النظر فيه بشمولية النص وخصوصية المعنى في المعالجات المطروحة لتشمل كل شرائح المجتمع، قطعا ًسيؤتي أكله ثماراً طيبة مستساغة الطعم والتناول في البيت والشارع والمسرح الكبير. ٭ إن تجربة المسرح المدرسي الذي ترعاه الدولة من خلال الدورات المدرسية تجربة رائدة يقوم عليها أساتذة تربويون.. حتى وإن لم يتخصصوا في العمل الدرامي دراسة وتحصيلاً.. إلا أن التجارب صقلت ووجهت مفاهيمهم للمكامن واستخلاص الدرر التربوية التي تستثير بدورها امكانات التلاميذ الدرامية.. حتى أن بعضهم يتفوق على نفسه في الأداء اللفظي والحركي للنصوص التي يقدمونها على المسرح، ٭ إذن فأصول اللعبة المسرحية تقتضي أن لا نعود القهقري إلى أيام المسرح الخوالي.. بل الالتفات إلى تصحيح المسار بدءً من المَعِدَة التي هي بيت الداء.. ومعدتنا التي يجب أن تستهدف هي بيوتنا التربوية التي يجب أن تنعتق شيئاً فشيئاً من نصوص التسلية وتزجية الوقت حسب المرحلة الدراسية.. ووفق متطلباتها.. وينبغي للقائمين على المسرح المدرسي من أساتذة واختصاصيين تقديم المتنوع من الأعمال في حديقة المسرح المدرسي.. فهي قادرة على الاستيعاب والاستنشاق والاستنثار بما ينفع الناس مجتمعاً ودولة.. وذلك من خلال تناول التحولات البنيوية اقتصاديا ً وسياسياً واجتماعياً والتي تشهدها البلاد.. ويكون التناول ناقداً في الإتجاه الذي يجب أن تصحح فيه الأخطاء. ٭ رب قائل هل باستطاعة المسرح المدرسي تحمل كل هذه الأعباء الثقيلة في إعادة توجيه بوصلة المسرح؟ وهل بامكان القائمين على أمر المسرح المدرسي استيعاب المضامين ثم طرحها باسلوب مسرحي يجد القبول أولاً من الطلاب ثم من المجتمع؟ هل البيئة المدرسية الآن مهيأة لمثل هكذا تحول؟ ثم أخيراً الدولة وهي عاجزة في بعض الأحيان عن توفير الكتاب والإجلاس، هل ستكون قادرة على الدعم والإرتقاء بالعمل المسرحي المدرسي للمستوى الذي يستطيع من خلاله رفد الحركة المسرحية السودانية بعماليق جدد في هذا المجال؟ ٭ نعم إن بإمكان المسرح المدرسي بحكم التنوع والتعدد المكاني البحث في مضامين الثقافة السودانية كل حسب موقعه.. وتقديمها في قالب أشهى أحياناً من تناول الكبار له، يجيب على أسئلة حائرة كثيرة في الأذهان، أن المسرح المدرسي يتمتع بمقومات أفضل مما كانت عليه في السابق.. فكل وسائل الإعلام والاتصالات وحتى حركة المسرح العالمية المتخصصة في الدراما أصبحت جميعها في متناول اليد والأفهام.. بشرط أن يتم تجويد الأداء والإرتقاء بالفهم المدرسي والمجتمعي لكيفية تناول مشاكل الحياة ومتطلباتها من خلال المسرح المدرسي، لذا فإن على وزارة التربية والتعليم وهي تعطي المجتمع رجال الغد المسلحين بالمعرفة العلمية الجيدة أن تلتفت أيضاً إلى الدور الكبير الذي تلعبه المؤسسات التعليمية في صياغة وتنشئة ثم صقل الأجيال المتعاقبة، وتستصحب معها المتغيرات اليومية أو المتوقعة في واقع الحياة .. وليتم تقديمها في شكل أكواب متنوعة الأحجام والمحتوى في مستواها الفكري والاجتماعي، بحيث تسهم كل المنتديات المسرحية المدرسية في تقدم هذه الأمة من واقع (أعطني مسرحاً أعطيك أمة) ٭ فريق ركن