وما زلنا نبتهل إلى الله في ضراعة العدوية وخشوع ابن الفارض أن نعود للوطن.. بل أن يعود لنا الوطن.. وبالأمس تحدثنا عن تلك المرافق الشاهقة المشعة التي وجدها الأحباب «الإخوان» ليلة هبوب عاصفتهم العاتية في تلك الجمعة المتسربلة بالحزن والأسى.. وعملوا فيها هدماً وهداً وتشليعاً وتحطيماً.. «يا جماعة مالكم معانا» ولماذا كل هذا الغضب من أعمدة راسخة ظلت تحمل الوطن على ظهورها عقوداً وعقوداً.. وجدتم السكة الحديد أروع إنجاز للكفرة الأبالسة الإنجليز.. أربعة آلاف وخسمائة كيلومتر من الخطوط الحديدية.. ليس مثلها في كل أفريقيا إلا سكك حديد جنوب أفريقيا.. نظام إداري ومالي وتأميني في دقة ساعة «بق بن».. وجدتم الخطوط السودانية تنسج شبكة في الفضاء.. ملونة بالأصفر والأزرق.. تضيء مدرج فرانكفورت وتزدهي عروساً وهي تتهادى في «هيثرو».. تقدل و«تسكت الخشامة» في مطار «أورلي» و«شارل ديجول» وتحت رعاية الله وعنايته.. تنقل الحجيج السوداني في جداول رحلات بالساعة.. بل بالثانية.. لا يشترك معها في هذا الأجر خط طيران واحد.. ويأتي «الإخوان» وبمفاتيح إنجليزية ضخمة هائلة ومتوحشة يحلحلون صواميلها صامولة.. صامولة.. وبعد أن باتت حطاماً تتفتق عبقرية بعضهم ويأتوا ب «عارف» الذي اتضح لاحقاً أنه «ما عارف» حزماً من صناعة الطيران.. بالمناسبة وفي كراسة إصلاح الدولة.. هل نطمع أو نأمل.. أو نحلم.. أو نتعشم.. في فتح هذا الملف الحزين الدامع الدامي؟.. ليس ذلك على الله ببعيد «الله بدي الجنة». وفي تلك الهوجة.. تتجه بعض فيالق حاملي المفاتيح من الأحباب الإخوان يتجهون شمالاً وتحديداً أسفل كوبري بحري يجدون خلية تطن ماكيناتها وشواكيشها ومقصاتها «طنين خلية النحل».. وصافرة تمزق صمت الليل.. معلنة بداية عمل مجيد في مصلحة المخازن.. والمخازن عمال مهرة وترزية نجباء «وقيمية» أصابعهم من الحرير.. ونجارون أسلحتهم المسامير والمناشير والشواكيش.. وملايين الكراسات للتلاميذ والطلاب في كل أرجاء الوطن.. وفي ذاك الزمان تحديداً كانت الكراسات والكتب والكراسي والأدراج والمحابر تسافر براً وجواً وبحراً أقصى الشمال،، حيث سبائط التمر مثقلة على هامات النخيل وإلى دارفور لتهبط الأودية وتصور جبل مرة.. وقوافل ولواري إلى أهل توتيل والقاش.. وتستريح في كوستي في انتظار الباخرة لتصعد إلى أعالي النيل والاستواء.. وهل غادر قلمي من متردم؟.. نعم غادر من متردم.. فقد كانت كل القوات النظامية تأخذ ملابسها من هذه القلعة.. قلعة الإبداع وبلا مبررات وبلا دفوعات.. وبلا منطق يهد الإخوان هذا المعبد وكأنه يدعو إلى الشرك بالله. وقبل أن يغسلوا أياديهم من الغبار وما علق بها من تراب.. وبنفس المعاول.. يخطفون أرجلهم وفي سرعة «كاكي» ومهارة «الكشيف» ينتقلون إلى «جار» المخازن والمهمات.. والذي كان لسوء حظه هو الجار الحيطة بالحيطة مع المخازن وينقضون على النقل الميكانيكي الذي كان لا يسمح حتى للحاكم العام شخصياً بأن يشتري سيارة من سوق الله أكبر إلا عبر النقل الميكانيكي.. وكان حتى رئيس الوزراء لا يذهب بعربته الحكومية إذا أصابها عطل.. لا يذهب بها إلى ورشة خاصة أو شركة خاصة أو ميكانيكي في «ضل شجرة».. كانت الصيانة للعربات الحكومية لا تتم إلا داخل أسوار النقل الميكانيكي وكذا الشراء وكذا الإفتاء من النقل الميكانيكي عن صلاحية أنواع السيارات والشواكيش و«الطواري» و«أب راسين» وبالمفاتيح الإنجليزية يحطم الإخوان النقل الميكانيكي فيصبح هشيماً تذروه الرياح وصار أي مسؤول إذا أراد شراء عربة للدولة.. «يعني» حكومية.. عليه أن يتوكل على الله و«يخطف» رجله إلى «الكرين» أو أي معرض سيارات. }}