ونحن قد تنسمنا في الايام الطيبه المباركة التي خلت فوح ازهار الاقحوان وشقائق النعمان التي تطيبت بها اعطاف ضيوف الرحمن الذين اتوا من كل فج عميق لحج بيت الله الحرام وبعد ان فرغوا من اداء فريضة الحج لهذا العام المبارك..كان حري بنا في البدء ان نترحم علي ارواح شهداء الامه الاسلامية بصفه عامه وشهداء الامه السودانية بصفه خاصه الذين صعدت ارواحهم الطاهره الي بارئها علي اثر جائحة التدافع وهم يؤدون مشعر رمي الجمرات وكانوا يرددون .. الله اكبر ..الله اكبر وقبلها تجوهرت افئدتهم وتمهرجت حناجرهم وهم يلبون النداء .. لبيك اللهم لبيك.. الي ان فرغوا تماما .. تماما من اداء كل المناسك والمشاعر ومنهم الان من حزم متاعه وحقائبه استعدادا لرحله العودة الي الوطن الجميل ومنهم من حضر فعلا ونحروا الذبائح وقد علت جباههم الطيبة السمراء الفرحة باداء الفريضة والنجاة من جائحة التدافع في مشعر رمي الجمرات . صديقي العزيز جدا ..المهذب جدا .. كان قد اصدر في الفترة الماضية الجزء الاول والثاني من كتابه التوثيقي الكبير بعنوان (أحياء ام درمان العريقة) .. اظنكم قد عرفتموه الان الدكتور عثمان سوار الدهب الخبير الوطني في الاقتصاد ذلك الاقتصادي الذي زان بفكره وقلمه معظم الصحف والمجلات السودانية فضلا عن انه تحمل وحده كالسيف عبء اصدار اول مجله اقتصاديه متخصصه في البلاد وذلك في بواكير ثمانينيات القرن الماضي كما انه يعود له الفضل في تدريس مادة اقتصاديه خاصه باسم الاقتصاد المنزلي قدمها لطلابه وطالباته الكثر سواء في جامعه الاحفاد او جامعه الخرطوم اوالجامعات الاخري. جديد ( عثمان للسودان ) في هذه المره ليس عملا اقتصاديا او توثيقيا لاحياء ام درمان التي احبته واحبها الي درجه العشق والوله وانما العمل جاء دينيا وقرآنيا بالتحديد حيث تفضل وبعث لي مع نجله( امين ) نسخة من هذا العمل الديني القرآني الذي جاء بعنوان ( مقاصد السور القرآنية ) . قلت آنفا قد يتساءل الناس كيف لهذا الفتي الاقتصادي الحنطي الوشاح ان يصدر عمل ديني وقرآني بالتحديد وهو بتلك الخلفيه الاقتصاديه ..يتساءل الناس عن ذلك الا انا حيث ان المسافه القريبه بيني وبين الاستاذ الدكتور عثمان سوار الدهب الخبير الاقتصادي الوطني والمفكر والموثق تجعل حاجبيا لا يرتفعان بالدهشه وذلك يعود للبيئه الدينية الاسريه التي نشأ الاستاذ الدكتور عثمان سوار الدهب فيها وتربي عليها وتخلق باخلاقها وهي اسره ( ال سوار الدهب ) تلك الاسره الامدرمانيه الشهيره والتي نشأ فيها من قبله سعادة المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الدهب قائد حكومة الانتفاضه علي النظام المايوي بقيادة الراحل المقيم المشير جعفر نميري طيب الله ثراه الذي حكم البلاد في خواتيم فتره حكمه بالشريعه او بما يعرف بقوانين سبتمبر المثيره للجدل . ولعل الاهداء الذي كتبه الاستاذ الدكتور عثمان سوار الدهب في صدر كتابه (مقاصد السور القرآنيه ) يضيف ويؤكد الكثير عن شخصيته التي جبلت علي الخلق القويم الذي انعكس ايجابا علي حياته وفكره وتواضعه وادبه الجم فكتب في الاهداء الي روح ابائي واجدادي الصالحين .. الي الشيخ محمد عيسي سوار الدهب الجد الاكبر للسواراب الذي تتلمذ علي يديه العديد من الصالحين في مسيده وخلوته بدنقلا العجوز ومنهم الشيخ عبدالله الاغبش جد الغبش والشيخ خوجلي ابو الجاز . كما انه اول من ادخل روايه الدوري في قراءة القرآن .. كذلك ادخل الطريقه القادرية الي شمال السودان علي يد الشيخ التلمساني القادم من المغرب وكان سلاطين سنار يستفتونه في امور الدين ويرسلون ابناؤهم الي خلوته لتلقي علوم الفقه والقرآن كما جاء في كتاب الطبقات . والي الذين نشروا الدعوه الي اقاصي الشرق والغرب ومنهم حاج سوركتي باندونيسيا وحاج ماجد بامريكا والشيخ النور بن الشيخ ساتي حمد سوار الدهب الذي اسس مسجدا وخلوه بالابيض وختم الاهداء بالخليفه حسن سوار الدهب اول من شيد مسجدا في شمال ام درمان وخلوه لتلقي علوم القرآن والفقه . جاء في صدر كتاب ( مقاصد السور القرآنيه ) الجزء الاول علي لسان مؤلفه الاستاذ الدكتور عثمان سوار الدهب انه بعد قراءه يوميه لعدة سنوات ختم فيها القرآن الكريم عشرات المرات وايقن ان هذا القرآن هو معجزة المعجزات لانه يخاطب العقل والوجدان ورغم ذلك يقول المؤلف انه ما زالت هنالك ايات يعجز عقلنا القاصر عن تفسيرها اما لانها تتصل بمجريات هذا الكون وبما لا نعلم واما لان عقلنا القاصر لم يستوعب بعد مقاصد بعض السور القرآنيه او يستطيع تفسيرها ويقول العلماء ان العقل البشري خلق في كامل نموه كما الاشياء الاخري التي تحيط بنا ولكننا لم نستغل الا جزءً يسيراً منه في المعرفه والعلم ولعل ذلك الجزء المظلم من العقل الذي لم نعلم كنهه بعد في ظل المجهول. في سياق ما ذكره المؤلف آنفا استعرض سور قرآنيه كثيره ثم عمل علي شرح مقاصدها ومضي في هذا المنوال واجتهد ايما اجتهاد في تقديم تلك المقاصد لتلك السور القرآنيه بشكل عصري وعلمي قدر المستطاع وفي هذا الامر اتبع المؤلف النهج العصري الذي اتخذه الاستاذ خالد محمد خالد في كتابه (هذا او الطوفان ) وكذلك النهج الذي اتخذه الراحل الدكتور مصطفي محمود بعد رحلته الشهيره من الالحاد الي الايمان ولكن اختلف الامر لدي الاستاذ الدكتور عثمان سوار الدهب حيث انه لم يكن ملحدا في يوم من الايام وانما عاش طفوله دينيه وشبابا اكثر ايمانا وهو الان في قمه الايمان حيث انه ختم القرآن الكريم عشرات المرات ومن ثم اتي مؤلفه هذا الذي بين ايدينا ذا بعد ايماني عميق لا يساوره اي نوع من الشك او اي نوع من التوقف عند تفسيره لمقاصد السور القرآنيه ولذلك دخلت تفاسير ومقاصد السور القرآنيه الي العقل اولا ثم الي القلب الذي تغلب عليه قوة العاطفه الفطريه لفهم الاشياء . بقي القول : ان الاستاذ الدكتور عثمان سوار الدهب قد بذل جهدا خارقا وشاهقا بكل المقاييس في هذا الكتاب (مقاصد السور القرآنيه) الجزء الاول ومثله في ذلك مثل الذين سبقوه في الماضي ومنهم مع الاحتفاظ بالمسافه الشاسعه بينه وبينهم وفي مقدمتهم الدكتور احمد حسن الباقوري والشيخ شلتوت والشيخ الشعراوي واخرون من العلماء الاجلاء الذين عملوا علي حصاد النفحات الايمانيه في بيدر مقاصد السور القرآنية .