٭ وأنا أتجول صباحاً على أطراف مدينة العين الإماراتية، شهدت مجموعة من العمال ينثرون حبات من القمح يحملونها في أكياس، على وديان المدينة ما دفعني أن أسأل أحدهم عن حقيقة الأمر؟.. فأجابني: لقد أمرنا معالي أحمد خليفة السويدي وزير خارجية الإمارات السابق أن ننثر هذه الحبوب طعاماً للعصافير المحلقة في السماء والهائمة على الأرض ليضمن بذلك ثواباً في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.. ما أعظم هذا الرجل الذي عرفته لأكثر من عشرين عاماً، لم أره خلالها إلا خارجاً من باب المسجد أو متجهاً إليه. ٭ كان الشاعر حسن الزبير نحيلاً كأنه آهة تمشي، كان صوّاماً قوّاماً عليه لمحة من إشراق كأنه شمعة في معبد، ما أقيم حفل عرس إلا وكان أول المهنئين، وما أقيم سرداق عزاء إلا وكان أول المعزين، يكتب الكلمة الغنائية بطريقة فيها من الشفافية ما يجعلك تشعر كأنك أمام بستان يتكلم، في رأيي أن أغنيته التي غناها الفنان الراحل خوجلي عثمان تعد من أعظم الأغنيات التي عرفها تاريخ الغناء في السودان وقد قال عنه الشاعر محمد بشير عتيق إنه يكتب الشعر بالبساطة التي يتناول بها برتقالة من حدائق الباقير. ٭ طبعت الأميرة آن قبلة ملكية على رأس فرس مملوك لها حصل على المرتبة الأولى في سباق عالمي أقيم في مدينة نيوماركت، فصاح رجل بريطاني عجوز ليتني كنت هذا الفرس لأنال هذه القبلة الماسية الإشراق، فخاطبت حارسها الشخصي : خذ هذا الرجل العجوز إلى أقرب أسطبل للخيول ليتناول حزمة من البرسيم ثم انفجرت ضاحكة.. من جانب آخر صرّح أغا خان الذي يعد من أكبر ملاك الخيول في بريطانيا بعد الملكة اليزابيث، بأن أجمل ما في الخيول أنها تنام واقفة بعكس كل الحيوانات السارحة على الأرض وهذا يؤكد على عظمتها. ٭ كان الفنان الراحل خوجلي عثمان هو الفنان الوحيد الذي يتذكر اسمي دائماً في كل مقابلة فنية، مرئية أو مسموعة ويؤكد مرة بعد أخرى أن أغنيتي «أسمعنا مرة» هي التي جعلت منه فناناً، أذكر أننا التقينا بعد سنوات بحفل عرس بإمارة أبو ظبي فغنى لي أغنية «الذكريات»، فشعرت أن الغربة لم تدع لي دموعاً أذرفها على أيام كانت لنا هناك بين أحضان الحبيبة أم درمان تحولت الآن إلى شيء له طعم الدموع. ٭ ذات مساء اتصل بي العملاق الراحل محمد وردي يطلب مني استكمال أغنية كتب مطلعها ولكنه لم يقدر على استكمال بقية كلماتها، وعندما أحس بأنني قد ترددت قليلاً في الإجابة عليه لخصام كان بيننا، خاطبني قائلاً: أرجو أن ننسى خصامك القديم.. فنحن بيننا عصافير الخريف وأخواتها أعز الناس ويا راجياني وعشرة لا ينكرها عزيز.. وأضاف: دعنا نغني لهذا الشعب السوداني العظيم نمنحه اتكاءة من الأغاني ليستريح عليها، بعدها بساعات أكملت له بقيه الأغنية فكانت أغنية «نجفة».