تنجح الدول الذكية دائماً في تنفيذ سياساتها الداخلية ذات الطابع الخدمي أو الشعبي، وتلك المتعلقة بأفعال ترتبط بالمواطن؛ عبر تشجيعها له وترغيبه للإسهام الفعلي في الحدث، أما الدول الأخرى مثل السودان فهي تستند دائماً على أساليب كالترهيب والتهديد كما حدث بالنسبة للمتخلفين عن تسجيل أسمائهم للرقم الوطني، حيث هددتهم الدولة بالثبور وقالت إنها ستعتبرهم كالأجانب وأشارت إلى صعوبات قد تواجههم؛ الواقع أن الجولة هددت بدلاً عن ترغيبهم وتشجيعهم للفعل باعتبار أن العملية قبل كل شيء هدف تسعى الدولة إلى إنجازه. ما دعاني لقول ذلك هو ما بدأت تقوم به شركة نظافة الخرطوم مؤخراً، حيث إن الشركة اتخذت لنفسها حيلة للتحصيل الوقتي السريع لأموال النفايات مقابل خدمتها ناسية الهدف الأساسي من وراء النظافة؛ فأصبحت تبعث متحصليها كمرافقين لعربة النفايات، بمعنى أنك إذا أردت منا جمع أوساخك فادفع المقابل وإن رفضت فهذا من حقك لكن لاتسألنا ولن نسألك. لا أدري من هو صاحب الفكرة العبقرية التي أصبحت تنفذها الشركة لكن على المسؤولين عن الشركة الانتباه إلى أن هذا الحل قد لا يناسب كل مشكلة، فهناك خدمات لا يجدي معها تخيير المواطن كما لا يجدي معها إجباره أيضاً؛ لأن المواطن في الحالتين قد لا يكون باستطاعته تقديم الشيء المطلوب منه؛ فالأشياء الاختيارية دائماً ما تكون غير مهمة كالسلع الكمالية وما شابهها، لكن الخدمات الأساسية تبقى واجبة الفعل على الدولة حتى إن لم يستطع فعلها المواطن. لنطرح سؤالاً أكثر جدوى.. ما الذي ستفعله الشركة إن لم يدفع لها المواطنون؟.. المتوقع أنها ستترك لهم أوساخهم وتذهب وقد حدث هذا فعلاً أمامي.. فقد تركت عربة النظافة أكياس القمامة لأصحاب البيوت الذين رفضوا الدفع.. فما الذي سيحدث بعد ذلك؟.. قطعاً ستقوم كل أسرة في اليوم التالي بقذف قمامتها في أقرب ميدان بالحي وبالتالي ستمتليء الأحياء بالذباب والأوساخ بسبب هذه السياسة الخاطئة وسندور في الحلقة المفرغة من جديد ونبحث عن حل آخر. اليابان عندما فكرت في جمع القارورات البلاستيكية لإعادة تصنيعها سعت عبر انتهاج الحل الأمثل والأسرع والأجدى وهو تشجيع المواطن ليساهم في النظافة فأعلنت عن مقابل بسيط نظير كل قارورة يجمعها الفرد فأصبح كل الشعب جامعاً للقوارير البلاستيكية وتم لها ما أرادت في وقت وجيز. إذن الفرق بيننا وبينهم لم يكن بسبب التطور التقني أو التقدم التكنلوجي أو القدرات المالية أو صناعتهم للنيسان والمتسوبيشي.. وإنما في أسلوب ومنهج التفكير لحل المشاكل.