في المقالين السابقين لزاوية «هذي رؤاي» كنت قد تناولت التحليل الذي قدمته مؤسسة طابة للبحوث لتقرير مؤسسة راند للبحوث، وهو المخطط الذي قدم من المؤسسة البحثية المعروفة أعلاه، وحث حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية على ضرورة بناء شبكات إسلامية معتدلة بديلة للشبكات الإسلامية المتطرفة- وفق المفهوم الأمريكي- المتخوف جداً من عدائه المستحكم مع هذه الجماعات. وصل معدو التقرير في نهاية المطاف إلى نتيجة مهمة موضحين أسباب ظهور الراديكالية الإسلامية، إذ أن الإستبداد السياسي واضمحلال مؤسسات المجتمع المدني وعدم القدرة على التعبير عن التذمر وتقديم الراديكاليين أنفسهم كحلول ناجعة أمام هذا الوضع- حسب وجهة نظرهم- كان من الأسباب الأساسية للظاهرة، وقد جاء بالتقرير: «هناك دلائل جلية تفيد بوجود تأثير كبير للعوامل التركيبية، وسيطرة التكوين السياسي المستبد، واضمحلال مؤسسات المجتمع المدني بمعظم أرجاء العالم الإسلامي، إلى أن يصل مرحلة أن يكون المسجد أحد المواقع القليلة للتعبير عن التذمر والإستياء المعهود في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة، فيما يقدم الراديكاليون أنفسهم باعتبارهم الحل البديل الوحيد والأنسب للوضع الراهن»، ولذا فإن المزاعم التي ربطت بين السياسة الأمريكية وبعض الجماعات الإسلامية المتطرفة لا تأتي من فراغ، لأنها ظلت فعلاً تسعى إلى تشويه صورة الإسلام في الذهنية العالمية عبر تقديم نماذج مشوهة عن الإسلام، بالتفكير في خلق ودعم جماعات ذات أفكار متطرفة في بعض البلدان الإسلامية. المتابع حالياً لمجريات الأحداث بالعالم الإسلامي والشرق الأوسط، والذي يلاحظ سياسات الولاياتالمتحدة تجاه القضايا الإسلامية ومشاكل المنطقة المشتعلة أيضاً، وطريقة تخيرها لكيفية وشكل تدخلاتها في الأزمات ما بين فلسطين وسوريا والعراق وليبيا واليمن لن يُرهق كثيراً في الربط بين الواقع الحالي وما خطط له الأمريكان كما يمكن أي شخص عادي بعد ذلك أن يقوم بتقييم مدى نجاح المخطط الأمريكي أو تفعيل وتنفيذ مخرجات بناء شبكات إسلامية معتدلة كما جاء بالتقرير.