مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    أهلي القرون مالوش حل    مالك عقار – نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي يلتقي السيدة هزار عبدالرسول وزير الشباب والرياض المكلف    وفاة وزير الدفاع السوداني الأسبق    بعد رسالة أبوظبي.. السودان يتوجه إلى مجلس الأمن بسبب "عدوان الإمارات"    السودان..البرهان يصدر قراراً    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    أزمة لبنان.. و«فائض» ميزان المدفوعات    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    شاهد بالفيديو.. خلال إحتفالية بمناسبة زواجها.. الفنانة مروة الدولية تغني وسط صديقاتها وتتفاعل بشكل هستيري رداً على تعليقات الجمهور بأن زوجها يصغرها سناً (ناس الفيس مالهم ديل حرقهم)    اجتماع بين وزير الصحة الاتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    شاهد بالفيديو.. قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل يكشف تفاصيل مقتل شقيقه على يد صديقه المقرب ويؤكد: (نعلن عفونا عن القاتل لوجه الله تعالى)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    حملات شعبية لمقاطعة السلع الغذائية في مصر.. هل تنجح في خفض الأسعار؟    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصوفية في المعركة.. أي معركة؟2 أمريكا والحرب على جبهة الصوفية
نشر في سودان سفاري يوم 08 - 03 - 2010

في مقال الأسبوع الماضي، تحدثت عن ابعاد ومظاهر "الصحوة السياسية للصوفية" في الدول الاسلامية، وهي الظاهرة التي اصبحت اكثر بروزا في العامين الماضيين على وجه الخصوص. وذكرت ان المشكلة الاساسية هنا هي ان هذه الصحوة يمكن ان تندرج في اطار مخطط امريكي لاستغلال الجماعات الصوفية في العالم الاسلامي في اطار استراتيجية امريكية محددة.
ماذا يعنيه هذا بالضبط؟.. عن أي مخطط امريكي بالضبط يمكن ان نتحدث؟
أظن - والله اعلم - انني كنت من اوائل من نبهوا الى هذه القضية قبل سنوات.
كان هذا حين كتبت سلسلة مقالات "الحرب على الاسلام.. الجوانب المعلنة والخفية". في ذلك الوقت، كانت مؤسسة راند الأمريكية البحثية الشهيرة والواسعة النفوذ قد اصدرت دراستها الخطيرة المعنونة "الاسلام المدني الديمقراطي"، وتحدثت فيها وان بشكل عابر عن الصوفية وموقعها في اطار الاستراتيجية التي تقترحها ازاء العالم الاسلامي.
بعد هذه الدراسة، اصبح هناك هوس في الولايات المتحدة بالصوفية ودورها السياسي وكيف يمكن ان تستغله امريكا في استراتيجيتها.
عشرات الابحاث والكتب خرجت من مراكز الابحاث الامريكية، وعدد لا يحصى من التحليلات الصحفية، وندوات ومؤتمرات شتى، كلها تناقش هذه المسألة.
من المهم جدا بالنسبة إلينا في العالم العربي والاسلامي ان نكون على علم بما هو مطروح على المستوى الفكري الامريكي فيما يتعلق بهذه المسألة.. مسألة الدور السياسي للصوفية في الدول الاسلامية.
هذا مهم جدا لسبب محدد هو ان هذه الافكار والتصورات والخطط خرجت من دائرة البحث والفكر الى عالم السياسة، بمعنى ان دوائر في الادارة الامريكية تبنتها بكاملها تقريبا.
وبحكم متابعاتي للقضية، يمكن القول ان الصورة هنا ليست واضحة تماما بالنسبة الى الكثيرين في العالم العربي، بمعنى ان المعرفة العامة بأبعاد هذه التصورات والخطط الأمريكية فيما يتعلق بالصوفية هي معرفة محدودة.
لهذا، فسوف احاول قدر الإمكان تقديم الابعاد والملامح والاهداف الاساسية للتفكير الأمريكي فيما يتعلق بهذه المسألة.
} } }
السفير "الدرويش"
دأب السفير الأمريكي السابق في القاهرة فرانسيس ريتشاردوني على الذهاب كل عام الى طنطا لحضور مولد السيد البدوي، واللقاء مع مشايخ الطرق الصوفية، والجلوس مع "الدراويش" والاستماع الى الاذكار ومشاهدة حلقات الذكر، والمظاهر الاحتفالية الاخرى في المولد.
ولم يكن حريصا على حضور مولد البدوي في طنطا فقط، وانما كان يحضر ايضا الموالد الاخرى، وخصوصا مولد الحسين، والسيدة زينب.
وبعد ان غادر مصر، وسيرا على النهج نفسه، قرأنا اخبارا عن ان جواند كاردنو، القنصل الأمريكي في الاسكندرية، حرصت على المشاركة في الاحتفال بمولد ابوالحسن الشاذلي وابوالعباس المرسي تلبية لدعوة من الشيخ جابر قاسم الخولي وكيل المشيخة الصوفية في الاسكندرية.
عندما كان السفير ريتشاردوني يحرص على حضور الموالد على هذا النحو، احتار الكثيرون في فهم وتفسير ما يفعله، وتعددت التفاسير بهذا الشأن.
البعض اكتفى بالسخرية من السفير الذي اصبح "درويشا".
البعض اعتبر ان المسألة شخصية بحتة، وليس لها أي ابعاد سياسية محددة. اعتبروا ان كل ما في الأمر ان السفير "عاشق للصوفية" ومحب للموالد، والمسألة لا تتعدى هذا.
البعض الاخر ممن ارادوا اعطاء تفسير سياسي، اعتبروا ان ما يقوم به السفير، يندرج في اطار محاولة دبلوماسية منه لتحسين صورة امريكا المتردية في مصر، كما في كل العالم العربي والاسلامي، وذلك عبر التقرب الى بسطاء المصريين بهذه الطريقة لإظهار وجه آخر لأمريكا اكثر انسانية من الوجه القبيح المعروف لها.
لكن ما لم يتنبه اليه الكثيرون في ذلك الوقت ممن تناولوا المسألة، ان الأمر يندرج في اطار ابعد من هذا بكثير، ولتحقيق اهداف اعمق وابعد من هذا بكثير.
لم يدركوا ان ما كان يفعله السفير ريتشاردوني، يندرج في اطار مخطط امريكي واضح ومدروس سلفا وبعناية يستهدف بالذات الطرق والجماعات الصوفية، ليس في مصر وحدها وانما في كل انحاء العالم الاسلامي.
لكن كيف صيغ هذا المخطط وكيف تبلورت ابعاده؟
} } }
هوس أمريكي بالصوفية
كل ابعاد وملامح التفكير الأمريكي، وتاليا الخطط الفعلية، فيما يتعلق بالمسألة الصوفية، تمت صياغتها في اروقة مراكز الابحاث الاستراتيجية الامريكية الكبرى.
كانت البداية الكبرى هنا، كما اشرت في المقدمة، هي الدراسة المهمة والخطيرة التي اصدرتها مؤسسة "راند" الامريكية للأبحاث في عام 2003 تحت عنوان "الاسلام المدني الديمقراطي"، والتي اشارت الى ان الجماعات الصوفية احد الحلفاء المفترضين لأمريكا في العالم الاسلامي.
منذ ذلك الوقت، اصبح هناك نوع من الهوس بمعنى الكلمة انتاب كثيرا من مراكز الابحاث والباحثين والكتاب الأمريكيين، اسمه الصوفية.
فمنذ ذلك الوقت، صدرت عشرات الابحاث عن هذه المراكز الامريكية تتعلق بالصوفية وكيفية يمكن ان تصبح اداة في اطار الاستراتيجية الامريكية تجاه العالم الاسلامي. وعقد العديد من الندوات والمؤتمرات الغرض نفسه، وصدر العديد من الكتب، غير عشرات من المقالات والتحليلات الصحفية.
بالطبع، من المستحيل ان نقدم هنا رصدا لكل هذه الابحاث والدراسات والندوات، لكن من المهم ان نشير الى ابرزها على الأقل.
مؤسسة راند نفسها، عادت بعد هذه الدراسة واصدرت في عام 2007 دراسة اخرى مهمة وخطيرة ايضا تحت عنوان "بناء شبكات اسلامية معتدلة" تناولت ايضا مسألة الصوفية، وهي دراسة اعدها اربعة من الباحثين هم: انجيل راباسا وشريل بنارد ولويل شوارتز وبيتر سيكل.
وعادت المؤسسة واصدرت عام 2009 دراسة اخرى تطرقت ايضا الى الصوفية عنوانها "الاسلام الراديكالي في شرق افريقيا" واعدتها انجيل راباسا.
وفي عام 2005، اصدر معهد الولايات المتحدة للسلام دراسة بعنوان "الاسلام السياسي في افريقيا جنوب الصحراء" تطرقت ايضا الى المسألة الصوفية في المنطقة.
مؤسسة كارنجي الامريكية الشهيرة للأبحاث اصدرت في عام 2007 دراسة موسعة بعنوان "الصوفية في آسيا الوسطى" وهي من اعداد مارثا ولكوت.
وفي مارس 2004، نظم مركز نيكسون للدراسات مؤتمرا كبيرا تحت عنوان "فهم الصوفية ودورها المحتمل في سياسة الولايات المتحدة" شارك فيه عدد كبير من ابرز الباحثين ناقشوا عددا من الاوراق البحثية.
وكما ذكرت، صدر في السنوات الماضية عدد من الكتب تناقش من بين ما تناقش مسألة الصوفية والموقف الامريكي منها.
لكن لعل اهم هذه الكتب هو كتاب بعنوان "الإسلام الآخر - الصوفية والهارموني العالمي"، والكتاب صدر عام 2008، وهو من تأليف ستيفن شوارتز، وهو كاتب وصحفي معروف ومدير مركز التعددية الاسلامية في واشنطون.
هذه مجرد امثلة محدودة جدا للأبحاث والانشطة التي تظهر الاهتمام الهائل في مراكز الابحاث الامريكية في السنوات الماضية بمسألة الصوفية في العالم الاسلامي، وهو الاهتمام الذي وصل كما قلت الى ما يقرب من الهوس.
لكن، ما الذي تطرحه هذه الابحاث والدراسات والكتب والتحليلات الامريكية عن الصوفية؟
أي نوع من الافكار والخطط تناقشها وتطرحها في علاقتها بالاستراتيجية الامريكية تجاه العالم الاسلامي؟
} } }
الصوفية في دراسات راند
مرة اخرى، من المستحيل ان حتى نلخص كل الافكار والخطط التي تناقشها وتطرحها هذه الدراسات والتحليلات الامريكية.
لكننا سنقدم ابرز هذه الافكار والخطط، وبالقدر الذي يعطي صورة اجمالية واضحة عن المطروح امريكيا في هذا الخصوص.
اذا بدأنا هنا بالأفكار التي تطرحها مؤسسة راند، فكما اشرنا فقد طرحت هذه المسألة للمرة الاولى في دراسة "الاسلام المدني الديمقراطي".
هذه الدراسة تناقش تفصيلا القوى الاسلامية المرشحة لأن تكون حليفة لأمريكا، والمرشحة لأن تلعب دورا فيما تعتبره الدراسة "اسلاما مدنيا" يدين التطرف والعنف ويروج للإسلام المتسامح.
وهي تضع الصوفية من ضمن هذه القوى الاسلامية المعتدلة وتوصي بتشجيعها رسميا.
الدراسة تعتبر ان الصوفية "تقدم تفسيرا منفتحا ومعتدلا للإسلام". وتعتبر انه "من خلال الشعر والموسيقى والفلسفة، فان الصوفية قادرة على اقامة جسور مدنية قوية خارج اطار الارتباطات الدينية".
وتوصي الدراسة الادارة الامريكية والمؤسسات الامريكية المعنية، بالعمل على تشجيع الجماعات الصوفية، والسعي الى مد ونشر النفوذ الصوفي في الدول الاسلامية وخصوصا في مناهج الدراسة والحياة الثقافية عامة.
كما توصي بأن تسعى امريكا الى تشجيع الدول الاسلامية التي توجد بها جماعات صوفية على دعمها، ودعم انشطتها، وان تسعى الى ان تكون لهذه الجماعات شعبية اكبر في المجتمع ودور اكثر بروزا.
وكما ذكرت، عادت مؤسسة راند واصدرت دراستها الاخرى "بناء شبكات اسلامية معتدلة"، وهذه الدراسة ناقشت نفس القضية بتوسع اكبر واكثر تفصيلا.
فكرة الدراسة بشكل عام تقوم على ان الولايات المتحدة يجب ان تتخذ قرارا استراتيجيا ببناء شبكات اسلامية معتدلة في الدول الاسلامية، وان يكون لديها استراتيجية واضحة في هذا المجال.
وكخطوة اساسية لبناء هذه الشبكات، تدعو الدراسة الى بناء قاعدة معلومات تفصيلية عن كل الشركاء المحتملين في اطار هذه الشبكة، سواء كان هؤلاء الشركاء اشخاصا، ام جماعات ومنظمات، ام مؤسسات، ام احزابا.. وهكذا.
والدراسة تحدد ثلاث قوى كبرى في العالم الاسلامي تعتبر في طليعة الشركاء او الحلفاء المعتدلين المحتملين للولايات المتحدة.
هذه القوى هي:
1 - العلمانيون.
2 - المسلمون الليبراليون.
3 - المسلمون التقليديون، وخصوصا الصوفية.
وفيما يتعلق بالصوفية، تشير الدراسة الى ان المسلمين التقليديين والصوفية يمثلون الاغلبية من المسلمين في الدول الاسلامية. وتقول انهم تعرضوا ويتعرضون للاضطهاد والملاحقة من جانب السلفيين والوهابيين الذين يعتبرون الد اعداء الصوفية.
وتذكر الدراسة انه حين الحديث عن الصوفية باعتبارهم شركاء او حلفاء محتملين لأمريكا، فيجب ملاحظة التنوع الكبير للجمعيات الصوفية في مختلف الدول الاسلامية. وانه على الرغم من ان بعض جماعات الصوفية لديها توجهات تؤيد الجماعات المتطرفة، فإن المتصوفة بشكل عام يقفون في المعسكر المعتدل من الاسلام.
والدراسة تعرض تفصيلا ما تسميه ب "خريطة طريق" لكيفية بناء هذا الذي تسميه الشبكات الاسلامية المعتدلة ومن بينها الصوفية، وعن الطرق التفصيلية التي تقترحها لدعم وتقوية هذه الجماعات.
والدراسة التي اصدرتها راند عن "الاسلام الراديكالي في شرق افريقيا" تناقش اساسا بالطبع كما هو متوقع كيف يمكن لأمريكا مواجهة هذا الذي تعتبره اسلاما راديكاليا في دول المنطقة، وتقدم توصيات كثيرة في هذا الاتجاه.
من هذه التوصيات التي تتضمنها الدراسة، توصية ب "العمل على تقليل نفوذ المنظمات الاسلامية الاجنبية، عن طريق تشجيع ودعم الجماعات الصوفية ومساعدتها على الترويج لرؤيتها وتفاسيرها المعتدلة للإسلام، وفي مواجهة الإرهاب ولإظهار عدم مشروعيته".
وفي هذا الاطار، توصي الدراسة الجهات الامريكية الرسمية بأن تساعد هذه الجماعات على تقديم خدمات اجتماعية للسكان. لكنها تلفت النظر الى ضرورة ان يتم تقديم الدعم الأمريكي لهذه الجماعات الصوفية بطريقة لا تؤدي الى هز مصداقية هذه الجماعات والتقليل منها.
} } }
.. نماذج ثلاثة
كما اشرت، يعد كتاب "الاسلام الاخر.. الصوفية والهارموني العالمي" من تأليف ستيفن شوارتز، من اهم الكتب الامريكية التي ناقشت مسألة الصوفية والموقف الامريكي منها.
افكار هذا الكاتب تستحق التوقف عندها، فقد لعبت دورا كبيرا في التأثير على التفكير الأمريكي الرسمي فيما يتعلق بالصوفية.
وقبل ان يصدر كتابه هذا، كانت له دراسات وتحليلات كثيرة تتناول الصوفية ودورها السياسي في الدول الاسلامية والموقف الامريكي الرسمي منها كما يراه.
اود هنا التوقف بصفة خاصة عند تحليل موسع نشره في عام 2005 بهذا الشأن، واود التوقف خصوصا عند التصور الذي قدمه للعلاقة بين الصوفية وبين التقدم السياسي المحتمل في الدول الاسلامية.
وقد طرح هنا ثلاثة نماذج لهذه العلاقة، هي على النحو التالي:
النموذج الأول : هو نموذج الدول التي تتعرض فيها الصوفية للقمع والملاحقات. وفي هذا النموذج، كما يقول، تصبح الصوفية قناة للمقاومة والمعارضة السياسيتين للنظام.
والنموذج الثاني : نموذج الدول التي تعتبر فيها الصوفية هي الشكل السائد للإسلام. ومثال ذلك كما يقول دول غرب افريقيا والمغرب ودول البلقان وتركيا وآسيا الوسطى.
وفي هذه الدول، تلعب الصوفية دورا اساسيا في التأثير على الثقافات المحلية وعلى تشجيع المواقف العلمانية والتعايش مع غير المسلمين، ويرى ان هذه الدول هي اكثر الدول الاسلامية المرشحة للتطور الديمقراطي في العالم الاسلامي. والصوفية في هذا النموذج تلعب دورا ايجابيا في تعزيز القيم المدنية الضرورية لإشاعة الديمقراطية.
والنموذج الثالث : نموذج الدول التي تتمتع فيها الصوفية بنفوذ وحضور، ولكنها تفضل الانزواء وعدم البروز تجنبا للصراع مع نظم الحكم الديكتاتورية. وفي هذه الحالات، لا احد يستطيع ان يجزم بالضبط أي دور يمكن ان تلعبه الصوفية اذا بدأت الأوضاع تتغير في هذه الدول.
اذن، كما نرى، الكاتب يعتبر ان للصوفية دورا سياسيا كبيرا جدا في العالم الاسلامي، ومن ثم دعا الى ضرورة ان تحتل موقعا اساسيا في أي استراتيجية امريكية تجاه العالم الاسلامي.
} } }
الاسلام الآخر
وكما قلت، بعد ذلك اصدر ستيفن شوارتز كتابه الشهير "الإسلام الآخر" الذي ناقش فيه القضية بتوسع اكبر.
ولا يتسع المجال لعرض كل الافكار التي يتضمنها كتاب ضخم مثل هذا. لكن استطيع تلخيص اهم هذه الافكار من الزوايا التي نناقشها فيما يلي :
اولا : يعبتر الكاتب ان الصوفية هي "اوضح خيار للمسلمين للمصالحة بين العالم اليهودي المسيحي، والعالم الاسلامي".
ويعتبر في هذا السياق ان الصوفية هي السبيل لتحقيق مقولة ان "الاسلام سوف يكون دين سلام".
ثانيا: يعتبر ان الصوفية تمثل "البديل الثقافي والاجتماعي والدين الاساسي والاكبر، للأشكال الأيديولوجية للإسلام المهيمنة حاليا في العالم الاسلامي".
فالصوفية في رأيه "يمكن ان تقدم نموذجا لمجتمع يلعب فيه الدين دورا كبيرا، ولكنه دور عادي طبيعي، مثلما الحال في المكسيك وبولندا مثلا".
ثالثا : يعتبر المؤلف ان الصوفية يمكن أن تقدم مساعدة عظيمة للإسلام، وللعالم كله، وذلك عبر مواقفهم من الاستقلال، والتعددية، واحترام الأديان والعقائد الاخرى.
وهو يعتبر هنا ان الصوفية مثلا من اشد المعارضين للجهادية السنية.
ويرى ان الصوفيين قد لا يقودون الطريق الى الهارموني العالمي، لكنهم بالتأكيد يمثلون "الاسلام الذي يمكن أن تتتعامل معه امريكا والغرب".
هذه هي، باختصار شديد طبعا اهم الافكار التي يطرحها الكتاب.
وبناء على هذه الافكار، فان المؤلف يقدم نصائحه للحكومة الامريكية على النحو التالي:
يقول : "من الواضح ان على الأمريكيين ان يتعلموا المزيد عن الصوفية، وان يتعاملوا مع شيوخها ومريديها، وان يتعرفوا على ميولها الاساسية. وليس هذا بالأمر الصعب، إذ يجب على اعضاء السلك الدبلوماسي الأمريكي في المدن الاسلامية، من بريشتينا في كوسوفو، الى كشغار في غرب الصين، ومن فاس في المغرب، الى جاكرتا في اندونيسيا، ان يضعوا المتصوفة على قائمة زياراتهم الدورية التي يقومون بها. ويجب ان ينتهز الطلاب الامريكيون ورجال الاعمال وعمال الاغاثة والسائحون أي فرصة للتعرف على المتصوفة. والأكثر اهمية من كل هذا ان أي شخص في داخل الادارة الامريكية او خارجها يكون في موقع يستطيع فيه التأثير على النقاشات الجارية حول صياغة السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط يجب ان يتعلم الاستفادة من التراث والتقاليد الصوفية للتسامح الاسلامي".
} } }
هذه بعض من اهم الافكار المطروحة على الساحة الفكرية الأمريكية حول الصوفية ودورها السياسي وموقعها من الاستراتيجية الأمريكية.
وكما نرى، فان الفكرة الجوهرية في التفكير الأمريكي هي ان الصوفية جبهة من جبهات الحرب التي تخوضها امريكا في ساحة العالم الاسلامي، وهي حرب افكار وسياسات في نفس الوقت.
لكن الصورة لم تكتمل بعد.
في المقال القادم والأخير بإذن الله، سأقدم بعضا من اهم الافكار الأمريكية الأخرى بهذا الشأن، ثم سأتوقف مطولا عند التقييم العام لهذه الظاهرة وموقفنا منها. اعني موقفنا في العالم العربي الاسلامي الذي يجب ان نتخذه من ظاهرة الصحوة السياسية للصوفية في ضوء الأفكار والخطط الأمريكية.
المصدر: اخبار الخليج البحرينية 8/3/2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.