أولاً نشكر وزارة الثقافة على الحراك الذي انتظم الساحة هذه الأيام، مما جعلنا بين الفينة والأخرى نكتب عن أمور ثقافية كتواصل طبيعي لعملية الحراك الجاري، مع شعور بالارتياح لعودة الحياة لكثير من مسارح الخرطوم، وبالتالي لبعض القنوات التي اهتبلت الفرصة لتنقل للناس مادة تلفزيونية جيدة بدلاً عن السموم التي كانت تقدمها، وحراك مثل هذا يتطلب منا أن نشير للشعار الذي رفعته الوزارة في عهدها الجديد، وهو (الثقافة تقود الحياة)، وهو شعار في محله ولا صلة له بالمبالغة، ولكن هل قيادة الحياة تكون بمواكب المغنيات والمغنيين وإحياء الليالي الموسيقية والشعرية فقط، وهل هذه هي كل الثقافة وكل أدوار الوزارة. بالطبع لا... فالثقافة هي أبواب متشعبة وفروع متمددة لا تقتصر على الغناء والشعر، ولا ينحصر دور الوزارة في هذا الجانب فقط، خاصة في ظل هجمة خارجية شرسة تتعرض لها الهوية السودانية وهي هجمة متعددة الأشكال والأسلحة، لا نحسب أن وزارة الثقافة في انتظارنا لنخبرها بذلك أو نكشف التفاصيل، فالشارع خير شاهد وما يبث في إذاعاتنا وبعض قنواتنا الفضائية لهو أبلغ دليل. كما أن دور وزارة الثقافة لا يقتصر على الخرطوم العاصمة وإنما الولايات، وكل شبر من الوطن عبر وزاراتها الولائية ولسنا مبالغين إن قلنا إننا لا نعرفها ولا نعرف لها أي نشاطات ثقافية، كما لا نعرف وزراءها الولائيين، هذا غير غياب دورها التضامني مع المجلس الأعلى للشباب والرياضة في مراكز الشباب والأندية التي تحولت في كثير من الولايات وحتى بعض مناطق العاصمة إلى مراكز للعب الكوتشينة والدومينو والشطرنج والتحلق حول بائعات الشاي، وهي حقائق ليست بخافية على أحد بما فيهم المسؤولين في وزارة الثاقافة والمجلس الأعلى للشباب والرياضة. إذن المطلوب من وزارة الثقافة أن تُفعِّل تعاونها المشترك مع الوزارات الأخرى ذات الصلة بالعمل الثقافي، لتعود مراكز الشباب لدورها الطليعي في قيادة الشباب للمجتمع، وحتى تؤدي الإذاعات والقنوات دورها الرسالي في حفظ الهوية السودانية والترويج لثقافتنا، وقبل ذلك غسيل عقول الشباب مما علق بها من أدران الثقافات الوافدة، التي ظهرت في الملبس والمأكل والممارسات الحياتية المختلفة، هي ثقافات أصابتنا في ديننا وعادتنا وتقاليدنا، وكلها للأسف جاءت بدعاوي المواكبة والتقليد الذي أعمى بصائر الكثير من شبابنا حتى سقط أو كاد في حفرة لا مخرج منها. نقول ذلك ولا نقصد البتة التقليل من النشاطات الثقافية التي تقوم بها الوزارة هذه الأيام، ولكننا نرى أن هناك مهاماً ونشاطات أكثر أهمية، أهمها مراجعة تصاديق وخطط الإذاعات والقنوات الخاصة بتعاون وثيق مع وزارة الإعلام، لأن الكثير منها هو أس البلاء، ولا نظن أن مثل الشيخ السموأل خلف الله يرضيه أن يسمع شبابنا ساقط القول وفاحش الغناء، أو يشاهد العري والتفسخ والتبرج والضحك السافر على بعض الشاشات، أو يرضيه أن يقلد ذلك من ضعاف النفوس. خلاصة قولنا إن الثقافة ليست غناء أو شعر، هي دين وحياة وهوية شعب، وهي قيادة، نرى (حتي الآن) أن وزارة الثقافة أهل لها، ما لم يستجد جديد أو سارت خطتها كما هي عليه.