على الرغم من دراسته للهندسة والقانون إلا أن سجيته واستعداده الفطري كان يشده نحو العلوم الإنسانية دون العلوم الطبيعية، فقد برز كشاعر وسياسي وناقد، لكنه اختزل دراسته للهندسة في ضبط أوزان أشعاره وتقاطيعه. الموسيقية. فهو سياسي وقاضي ومهندس مدني وشاعر سوداني، تقلد منصب رئيس وزراء السودان مرتين ووزير خارجية السودان مرتين. في ذات اليوم الأحد 17 مايو من العام 1908 الذي خرجت فيه الجموع حزينة بالجزيرة نتيجة إعدام المناضل عبد القادر ود حبوبة من قبل المستعمر، أطلقت الزغاريد بقرية «طلحة» بالدويم فرحاً بمقدم محمد أحمد المحجوب من أسرة متدينة محافظة ينحدر والده من الجزيرة «منطقة» الحوش «وينتمي إلى الجعليين وترجع جذوره الي الولاية الشمالية، والدته هي السيدة فاطمة عبدالحليم ابنة أمير المهدية الأمير عبدالحليم مساعد هاشم، الذي كان ساعداً أيمن لقائد المهدية عبد الرحمن النجومي. ٭ مراحله الدراسية: التحق المحجوب بخلوة الفكي «حمودة» ومنها إلى مدرسة الكتاب الريفية بالدويم ثم انتقل إلى أمدرمان ليعيش في كنف خاله محمد عبدالحليم مساعد و درس في مدرسة أمدرمان الوسطى ثم التحق بكلية غردون التذكارية «جامعة الخرطوم حالياً» وتخرج منها في العام 1929 مهندساً ثم التحق بمصلحة الأشغال مهندساً عقب تخرجه براتب قدره (12) جنيهاً شهرياً، وفي العام 1936 ترك العمل الهندسي و التحق بكلية القانون و تخرج منها عام 1938 ثم التحق بالقضاء السوداني و عمل به حتى عام 1946، حيث ترك القضاء و اِتجه إلى العمل بالمحاماة 1947م. ثم استقر به المقام بضاحية الخرطوم «1». نبوة زعامته: وروت ابنته الرحالة «سميرة» في إفادة بأن المحجوب عندما بلغ عمره السابعة وهو راعي أغنام، تنبأ له جده بالحكم، وهو يقول إن هذا الفتى الذي ترونه سيحكم السودان وسيكون حاكماً صادقاً، وحقاً تحققت النبوءة وتأتي الانتخابات ويكون رئيساً للوزراء. تزوج من ابنة خاله «السرة» محمد عبد الحليم المساعد هاشم» أمير المهدية في النيل الأبيض، وله من الأبناء بهجة، سلوى، سيد، وسامي، سميرة. ٭ تحول مسار: ودخل إلى فضاء القضاء، وأثناء عمله تم نقله لعدد من مدن السودان «مدني» و»القضارف»، وفي عام 8491 عقدت ندوة سياسية ب»مدني» وكان محظوراً على القضاة أن يخطبوا في أية ندوة سياسية، وعندما أصر عليه محبوه حينها قال لهم «دعوني أقدم استقالتي أول شيء قبل المشاركة»، ومن ذاك الوقت تفرغ «المحجوب» للسياسة وقام بفتح مكتب محاماة بالخرطوم. ٭ محطات سياسية: حياته السياسية كانت مثيرة للجدل وذلك لحدة المواضيع التي كانت تطرأ في ذلك الوقت على خارطة السياسة السودانية.. فبعد استقلال السودان بدأ في العمل السياسي عن طريق الحزب الاتحادي الديمقراطي، ثم مالبث أن تركه واتجه إلى حزب الأمة، حيث تقلد العديد من المناصب العليا في الدولة. ابتدر نشاطه السياسي بالجمعية التشريعية ثم قدم استقالته منها 1950 قبل أن يتم اختياره وزيراً للخارجية مرة أخرى في يوليو1956م، ومرة أخرى بعد ثورة أكتوبر 1964 التي أطاحت بالحكم العسكري الأول، ثم انتخب رئيساً للوزراء في يونيو عام 1965م، وعاد لذات المنصب في مايو 1967 وحتى مايو 1969م عندما أطاح انقلاب عسكري بالحكومة الديمقراطية.. قضى المحجوب فترات في المنفى الإجباري بالجنوب إبان الحكم العسكري الثاني، ثم إلى المنفى الاختياري بلندن.. اعتقل وسجن في فترة الدكتاتورية الأولى «58-1964» ومن ثم اعتقل في فترة الدكتاتورية الثانية «69-1985».. وحددت إقامته في منزله، وتم منعه من تشييع جثمان صديقه وغريمه السياسي الرئيس إسماعيل الأزهري. ٭ مؤلفاته الأدبية: الحقبة الممتدة من «1927 إلى 1937».. كانت من أهم فترات حياته إذ تبلورت فيها شخصيته الأدبية والفكرية و تحددت فيها معالم آرائه السياسية، و شهدت هذه الفترة كتاباته الثرة في شتى ضروب الأدب والاجتماع والجمال والسياسة، بدأ الكتابة في «حضارة السودان»،«1931»، ثم صارت كتاباته أكثر نضوجاً وتنوعاً في مجلة الفجر 1937). صدرت له عدة مؤلفات منها قلب وتجارب، نحو الغد، مسبحتي ودني والديمقراطية في الميزان. وله مقالات في صحيفة النهضة وفي مجلة الفجر وكتاب «الحكومة المحلية» كما اشترك مع عبد الحليم محمد في كتاب «موت دنيا»، له كتاب «الديمقراطية في الميزان» باللغة الإنجليزية Democracy on Trial وله أشعار كثيرة وديوان «الفردوس المفقود». ٭ الدبلوماسي الناجح: يقول عنه نائب رئيس حزب الأمة القومي اللواء فضل الله برمة ناصر إن المحجوب له مواقف مضيئة، وإنه لم يكن سياسياً عادياً، فقد كان من أنجح الزعماء السودانيين على الإطلاق رغم عدم معاصرته له في الحزب.. بينما قال الأمين السابق لحزب الأمة إبراهيم الأمين، أحد معاصريه، إن المحجوب كان على المستوى الداخلي والخارجي أبرز خطباء الأمة، فقد أوكلت إليه مخاطبة «الأممالمتحدة» بتكليف من العرب قاطبة، بعد عدواني 56 و 1967م. كان له دور في انعقاد مؤتمر القمة العربي، الذي رفع فيه اللاءات الثلاث بالخرطوم، عندما كان رئيساً للوزراء، ونجح في إعادة المياه لمجاريها بين جمال عبد الناصر والملك فيصل، كما انه « في منزله بالخرطوم أسهم في إعادة توحيد «نيجيريا» بعد اندلاع الحرب الأهلية فيها. كان «المحجوب» رمزاً للدبلوماسية الناجحة، وقد شهدت له أروقة الأممالمتحدة و«منظمة الدول الأفريقية» على براعته وفي إجادته المذهلة للغتين «العربية» و«الانجليزية». ٭ دار الأمة: داره كانت ملتقى لأهل الفكر والعلم و السياسة بمختلف انتماءاتهم و توجهاتهم، بحسب د.إبراهيم الأمين القيادي بالأمة ل«آخر لحظة»، وقال الأمين إن دار المحجوب كانت دار الأمة، فقد شهدت مفاوضات صلح شهيرة جمعت الرئيس عبد الناصر والملك فيصل، وكانت داره رصاصة الرحمة التي أوقفت نزيف الدم في اليمن. ومنها كان التخطيط لمؤتمر قمة يجمع الزعماء والملوك العرب في صعيد واحد. ٭ أدوار بطولية: على الرغم من أن نضجه كسياسي كان في فترة الاستقلال عبرمراحل كزعيم معارضة، ووزير خارجية ثم رئيساً للوزراء عن حزب الأمة، إلا أن المناصب التي تقلدها لأول مرة (1956)، لم تكن غريبة، بحسب إفادة سابقة لابنته سميرة، فقد كان المحجوب الملهم السياسي والباحث عن ساحات النضال، وكان ضمن وفد الجبهة الاستقلالية الذي اتجه للأمم المتحدة 1946يدعو لاستقلال السودان. ٭ وفاته: توفي في إنجلترا الثلاثاء 22/6/6791م، بعد سجل سياسي نضالي حافل بالإنجاز في كافة المحافل التي طرقها سياسياً وقانونياً وأدبياً.