يوم امس كان حزينا..الخرطوم توشحت بالسواد..الحزن يكسي الوجوه التي تقاطرت من كل اتجاهات المدينه لمقابر الصحافه وداعا لفقيد( الصحافه)..واتسعت مساحات الحزن بعد التشييع لتنتقل لدار الفقيد(.هاشم).وصفحات الصحف واثير الاذاعات وفضاءاءت التلفزيونات. والمواقع الجديده.الان اختار هذه المرثيه المعبره والناطقه بلسان المعزين ومحبي فقيد الوطن الكبير من بين مئات المراثي التي امتلأت بها المواقع الالكترونية لعدد كبير من الصحفيين والاعلاميين وهم يبكون الراحل. ٭ سافر أخي الأكبر هاشم ود محمد ود صالح الجاز بكامل أناقته وحزنه.. سافر بلا انتظار في طوابير الموت.. و بلا مقدمات.. ولا نداءات أخيرة.. غادر كالخبر العاجل الذي فاجأ المحللين و المحررين والأحباب.. سافر وترك في القلب غصة.. وفي الفؤاد حرقة.. وتركنا للموعظة. ٭ كان رحيله موعظة.. ركز عصاه في هدوء كدرويش متجول قرب مقعد في مطار حمد الدولي.. وبين مئات الوجوه الغريبة لم يكن إلا هو.. والحزن والانتظار.. كان لا يرى الأجساد الأنيقة والأرجل المسرعة والأمتعة المتناثرة.. و لايسمع همهمات المسافرين ونداءات الرحلات وأزيز الطائرات.. كان في تجليات اللحظة الأخيرة.. حيث اللامكان.. واللازمان. ٭ اتخيله وهو ينظر إلى هاتفه الذي يرن فلا يجيب.. اتخليه يغمض عينيه على كل الأشياء.. فلا يرى.. لا يرى إلا شقيقته وهي تغوص في النهايات البعيدة في قافلة الرحيل الأبدي وهي ترفع يديها بالوداع.. فلا يستطيع فعل شيء.. ولا حركة.. ثم لا يرى إلا الموت وهو يتسلّل إليه خلسة من بين الأمتعة والمسافرين ورجال الشرطة والمضيفين الأرضيين .. فلا يستطيع فعل أي شيء.. ولا حركة.. ومن بين نداءات عشرات الرحلات المغادرة الدوحة كان أخي هاشم قد لبى النداء الأخير للرحلة المتجهة لدار خير من هذه الدار وأهل خير من أهله.. أخذ عصا ترحاله وحث السير لاحقاً بقافلة الراحلين السائرين إلى صاحب العز الذي لا يضام.. والمجد الذي لا يرام.. هناك.. حيث أمه وأبوه وأخته عرفة وأصفياؤه وأحباؤه.. ترك الرحلة المغادرة للخرطوم وآثر الرحلة القاصدة للحي القيوم. ٭ أتظنونه لم يودعنا؟ أحسسنا به وهو مسجى أمام الصفوف المتراصة في مسجد مقبرة ابوهامور يلقي علينا كلمات الوداع.. كان يتكئ على منصة الموت - كما كان يتكئ على منصة المركز الثقافي السوداني في قطر - ويتحفنا بأبلغ موعظة .. موعظة الوداع والاحتفاء بنا وبه.. لم ينتظر انتهاء فترته بالدوحة التي تنتهي بعد أشهر قليلة.. كان ينظر إلينا من وراء كفنه الأبيض فيرى وجوه السودانيين بالدوحة.. يعرفهم واحداً.. واحداً.. دبلوماسيين وصحافيين وموظفين ومستشارين وعمال.. كلهم أضناهم الاغتراب ومحطات البعد ولهفة الأشواق والحزن المطبق عليه.. أترانا احتفينا به أم احتفى بنا؟ وقف فينا من وراء أكفانه خطيباً وحدثنا من القلب للقلب عن الرحيل الأبدي.. وأن الدنيا لا تسوى مثقال حبة من خردل.. وأن المتدثر بالدنيا عريان.. عريان.. عريان. ٭ رحل صاحب القلب الكبير.. القلب الذي أجهدته الأيام وفراق الأحبة.. القلب الذي احتوانا - كلنا - داخله.. كان يلقانا بكله في مكتبه.. يفيض علينا من فيوض علمه ويهدينا حينما يودعنا كتاب أو دورية أو مجلة.. ومثلما كان عظيماً في حياته كذلك كان عظيماً في رحيله.. ها هو يغادر الدوحة محمولاً على أعناق أحبائه في رحلته الأخيرة ليرقد في هدوء الأنقياء الأتقياء الأصفياء في شبر من أرض وطنه التي طالما أحبها.. وطنه الذي مثّله خير تمثيل في المحافل والمنابر. ٭ ها هو يعود اليه ويسافر عنه وعنا بكامل أناقته وهيبته ويودعنا ونودعه قائلين: قلبَك مُو لحم من الدَبَادِبْ طَايرْ صِنديد وقعةَ العركَة الخيولا دمايرْ الموتْ يا جَليس أُم رُوبَه كاساً دَايرْ سماحتُو عَلَيكْ مِتِل نوَرةَ العرِيس السَايرْ. ٭ اللهم إن أخي الأكبر هاشم الجاز بين يديك.. قابله بما أنت له أهل.. يا ذا الفضل املأ قبره بالرضى والنور والفسحة والسرور.. وادخله أعلى عليين. عادل إبراهيم أحمد 9 يناير 2016 الدوحة