جدل قانوني كثيف دار حول قانون النظام من خلال الممارسات التطبقية في تفسير بنود نصوص القوانين الجنائية في حالات الضبطية، والمغالاة في التنفيذ الذي يعتبره البعض خروجاً عن المألوف، بتجاوزات تصل إلى حد الانتهاكات الشخصية، وفق سيف القانون، وهذه التجاوزات سارت محل تجاذب من قبل المشرع القانوني والضبطية ومنظات المجتمع المدني ردحاً من الزمان، حول جدلية إلغاء قانون النظام العام الحالي والاستعاضة عنه بقانون آخر مرن، وبالأمس خلصت نائب رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني د. بدرية سليمان إلى عزمها إصدار قانون أشمل من قانون النظام العام الساري، مع المطالبة بإنشاء هيئة للرقي الاجتماعي تعنى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من خلال ورقة دفعت بها إلى لجنة الحريات الأساسية بالحوار الوطني . مرجعات للنظام العام وكيل وزارة العدل الأسبق مدير مركز الخرطوم لحقوق الإنسان د. أحمد المفتي أقر بأن قانون النظام الحالي به تجاوزات من خلال الممارسة في تطبيق النصوص الجنائية.. وبه انتهاك لحقوق الإنسان في بعض الحالات، وأرجع الخطوة الى عدم وجود المعايير القانونية الواضحة في تبيان النصوص الصريحة المشرعة لمواد القانون على الرغم من أن القانون الجنائي لسنة 91 19حمل في متن بنوده قوانين تدعو للمحافظة على حقوق الإنسان، وقال المفتي ل (آخرلحظة) إن قانون النظام الحالي يحتاج إلى مراجعات من خلال الممارسات الضبطية، مشيراً إلى أن ابتداع قانون مماثل كبديل للنظام العام كهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه أمام إساءة استخدام السلطة بغير سند قانوني، لأن الأمر بالمعروف يعتبر وفق الأعراف الدينية التزام خلقي ديني يفترض به أن يقوم وفق العمل الطوعي، وأي إضافة قانونية عليه تجعله يحيد عن أهدافه من الأمر والمعروف، إلى التضييق في الحريات مؤكداً بأن مثل هذا العمل هو من صميم المرتكزات التي تنادي بها الطرق الصوفية ومنظمات المجتمع المدني، لأن قيامها بهذه الأعمال يقوم بالتطوع دون مقابل بعيداً عن الصفة الحكومية، لافتاً إلى أن مقترح الأمر بالمعروف قد شهد تطبيقه على أرض الواقع من العام 83، ولكنه لم يجد التاييد المطلوب . قانون تصفية الخصوم وبالمقابل فند المحامي ساطع الحاج المقترحات التي نادت بها بدرية سليمان، حول وجوب قيام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بقوله إن صاحبة المقترح عرفت منذ أكثر من 35 عاماً بالهوس الديني المتعلق في سن التشريعات ذات الطابع الديني، فقد شاركت المكاشفي والمصلاحي في صياغة قوانين سمبتمبر بذات النزعة الدينية، مضيفاً بأن دواعي قيام هيئة كهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لايتناسب مع المجتمع السوداني المحافظ بطبعه، والمتمسك بتقاليده، وهذا يعزز القول بأن الإنسان السوداني وفق هذه اللوائح الخلقية الذاتية لا يحتاج إلى قيام مثل هذه الهيئات ذات الهوس الديني، التي تقوم بعيداً عن المراجعات التشريعية والقانونية، مشيراً إلى أن ابتداع هذه الهيئات يأتي من أجل تصفية الخصوم. ضبطيات وفق أسس بينما يرى القانوني حيدر التوم أنه يقف مع مساعي ضبط الشارع العام من السلوكيات غير المقبولة وفق أسس قانونية، لكن مايعرف بمسمى النهي عن المنكر والأمر بالمعروف إذا قدر لها أن تحل محل قوانين النظام العام، ستخرج المجتمعات من الأطر القانونية المعروفة إلى متاهات واسعة من التجاذبات بين جدلية التشريع والتطبيق، وربما ينقطع الخيط القانوني الرفيع الكامن بين المشرع والمطبق، وحفاظاً على ذلك يجب المحافظة على قانون النظام العام الحالي بعد تبسيطه وإعادة مراجعته مرة أخرى حتي لاتكون هنالك ثغرة تجعل المطبق يتمادى أكثر مما هو موجوب عليه تطبيقه، مما يلحق الضرر بأطراف أخرى من جرائه . الجرم قبل البراءة وفي ذات المنحنى يري المحامي وجدي صالح بان بدرية سليمان قد «حنت» إلى قوانين مايو، باعتبارها كانت من عرابي قوانينها ذات النزعة الدينية، وذهب وجدي إلى أن العقلية التي حدت ببدرية إلى تبني مثل هذه القوانين يؤكد بان عقليتها تحولت من عقلية وسطية إلى عقلية «افتراض الجرم قبل البراءة « وهذه الأفكار مدعاة لرجوع القوانين المايوية سيئة الصيت، على الرغم من المتطلبات التي تمت في جلسات الحوارحول التوصيات بإلغاء قانون النظام العام الحالي، لكن ذلك ليس مدعاة إلى بدرية التي تبنيها إلى قوانين تقيد الحريات الخاصة أكثر من قانون النظام العام ذاته.. بينما يرى خبير في قانون النظام العام فضل حجب اسمه أن قانون النظام العام الحالي هو قانون ولائي خاص بولاية الخرطوم، وهو ينظر في قضايا معينة مرتبطة بالآداب العامة، كالأفعال المخلة بالذوق العام من اللبس الضيق وممارسة الدعارة بموجب القوانين «152 و153و154وهذ المواد متضمنة في القانون الجنائي السوداني لسنة 91، لكن هنالك قوانين صريحة هي من صميم النظام العام كالقوانين المحلية التي تجرم تعاطي الشيشة وبيع الشاي في الأماكن العامة، والتشرد والتسول وممارسة الدجل والشعوذة، مضيفاً بأن التجاوزات التي تتم من قبل الأجهزة المعنية بالتنفيذ تجعل القانون من القوانين المنفرة . واجب سلطاني وفي ذات السياق اعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين حسن الساعوري أن قانون النظام الحالي هنالك من لم يرتح إلى وجوده، فيما يختص بعمليات الضبط والربط في الجوانب السلوكية، مردفاً بأن القانون الحالي لم يثبت فشله حتى يتداعي المشرعين إلى إبداله بقانون آخر، فإذا كانت لديهم تحفظات حول المسمى يمكن تغييره إلى مسمى آخر، ولكن أن يتم تغيير مضمون القانون، فهو أمر معيب لاعتبار أن مقترح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر واجب علي الجميع، ولا يحتاجون في تطبيقه إلى قوانين، على النقيض من ذلك يبقى قانون النظام العام هو الواجب «السلطاني « في إنزال الممارسات القانونية على السلوكيات الخاصة ذات الانعكاسات العامة .