برزت وبشكل لافت دعوة مني اركو مناوي- حركة تحرير السودان لمنح إقليم دارفور حق تقرير المصير، ابتدءا نقول إن حركة تحرير السودان منذعام2003 سمت نفسها (حركة تحرير دارفور)، وكانت عندئذ تتبنى نهجاً انفصالياً لدارفور، وفي بيان صدر في 14مارس2003 غيرت اسمها لتصبح حركة تحرير السودان وجيش تحرير السودان، وطالبت بسودان ديمقراطي موحد، وبفصل الدين عن الدولة، لم ترتفع أجندتها الى مستوى عملها العسكري، ولم تصدر منفستو أو تعلن برنامجاً سياسياً يمكن الإطلاع عليه، غير أن فرعها في كندا أصدر بياناً في أبريل2003 يشير الى هدفها: إما الكونفدرالية أوالانفصال، وتأتي تصريحات عبد الواحد محمد نور بعد هذا التاريخ لتحدد هدفاً آخر، وهو الحكم الذاتي لكل أقاليم السودان، تؤمن بالنهج العلماني وتطالب بفصل الدين عن السياسة، وتقترب في منهجها من الحركة الشعبية لتحرير السودان(جون قرنق)، وبتنسيقها لاحقاً مع حاملي السلاح في شرق السودان من خلال عضويتها في الجبهة الثورية تستخدم التنسيق مع اقاليم أخرى للضغط علي الحكومة، والحصول على مكاسب لدارفور وليس الحصول على إصلاحات قومية لكل السودان. ماذا يعني مطلب حق تقرير المصير؟.. في المجمل يعني تقرير المصير الانفصال، وهو انتهاء العلاقة بين وحدة أو إقليم إداري والدولة التي كان يتبع لها، وعادة يكون الانفصال ذا دوافع إثينية حيث ترفض الحركة الانفصالية مجمل الاجراءات أو السياسات المتبعة في الحكومة المركزية، وتحاول الانفصال والسيطرة على مواردها الاقتصادية والتمتع بالاستقلال أوالسيادة (حق تقرير المصير)، وعادة ما يواجه التوجه الانفصالي لأي جماعة بردة فعل قوية من الدولة التي تحاول الحفاظ على وحدة أراضيها، وهكذا تكون النتيجة الحتمية نزاعاً أوحرباً أهلية، ولقد أكدت التجارب العالمية والإقليمية أنه ومتى ما اتيح هذا(الحق) ستكون النتيجة الانفصال كما حدث في يوغوسلافيا السابقة، وفي الجمهوريات السوفيتية، وانفصال جنوب السودان عن الشمال، ولكن ما يجب التأكيد عليه هو أنه لا يوجد في المواثيق والأعراف الدولية مايسمى حق تقرير المصير للأقليات أوالمجموعة السكانية أو حتى جزء من الجماعة الوطنية في دولة ما، بحجة أنها مظلومة أومهمشة أوأنها تنحدر من أصل عرقي غير الأصل الذي تنحدر منه بقية الجماعة الوطنية، لقد تنبهت الأممالمتحدة الى هذه الحقيقة مبكراً، فبعد عامين من قيام الأممالمتحدة(1945)أي في العام(1974) ناقشت الجمعية العامة للأمم المتحدة موضوع حق تقرير المصير الوارد في ميثاق الأممالمتحدة وحدود ونطاق هذا الحق، وكان قرار الجمعية العامة في هذا الجانب واضحاً لا لبس فيه ولاغموض وهو(عدم جواز الخلط بين حق تقرير المصير وبين حقوق الأقليات.. إن إتاحة حق تقرير المصير للأقليات إنما يشيع حالة من الفوضى في النظام الدولي، خاصة وأنه يندر أن تجتمع لدولة كل عناصر التجانس ومقوماته) ولاحظت الجمعية العامة (أن توسيع نطاق المبدأ بجعله يسري على الأقليات قد جعل كثيراً من الانتماءات السياسية والحدود القطرية محل تساؤل ومحاجاة من قبل الأقليات نفسها) وقد تم في اكتوبر من العام الماضي رفض الأممالمتحدة بأنه لا يحق لاقليم كتالونيا الحق في الانفصال عن أسبانيا، وقال بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة للصحافة الاسبانية«عند الحديث عن تقرير المصير تنظر الأممالمتحدة الى بعض المناطق على أنها مناطق غير مستقلة ولكن كتالونيا ليست ضمن هذه الفئة» وعلى المستوى الإقليمي ناقش القادة الأفارقة في مؤتمر رؤساء الدول الإفريقية المستقلة في أديس أبابا عام(1963 ) موضوع الحدود العشوائية والمصطنعة، التي رسمها الاستعمارلإفريقيا، وكيف أنها لا تعبر عن الواقع الديمغرافي، وأنها كثيراً ماقسمت جماعة واحدة بين أكثر من كيان سياسي، وجمعت داخل حدود الدولة الواحدة مئات الجماعات العرقية التي لاتمت الى بعضها البعض بأية صلة، ولكنهم أكدوا (قدسية الحدود الموروثة من الاستعمار) حتى لا تقوم الصراعات بين الدول الإفريقية والإبقاء على هذه الحدود (رغم كونها تعسفية) لقد ضمن ذلك في ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية، كما تم التأكيد على هذا المبدأ في دستور الاتحاد الإفريقي، ولم يعد بالإمكان السعي الى تغيير هذه الحدود لمعالجة ظاهرة الاختلافات الثقافية أوالتفاوت التنموي، وبالتالي يصبح جلياً أن(حق تقرير المصير) بهذه الصورة يتعارض مع المواثيق الدولية والإقليمية، ويؤدي إلى نتائج كارثية لمستقبل الدول الإفريقية. الواقع وبالرغم من مرور أكثرمن ثلاثة عشر عاماً على تأسيس حركات دارفور المسلحة واندلاع الحرب في الاقليم، فإن جذور الدعوة لحق تقرير المصير ليست بعيدة ولا عميقة في الوثائق الرسمية لهذه الحركات، مع ملاحظة أن حركة العدل والمساواة لم تتبنى هذا الشعار في خطابها الرسمي، وأن حركة تحرير السودان بجناحيها مناوي «وعبد الواحد قد ادرجت حق تقرير المصير في برامجها السياسية بشكل صريح، بعد تأسيس الجبهة الثورية التي ضمت الحركة الشعبية شمال بجانب الحركات في دارفور، وبعد أن أصدرت الجبهة الثورية الى جانب الحركات في دارفور وثيقتها المسماة( إعادة هيكلة الدولة السودانية)، وفي هذه الوثيقة تم التركيز الشديد على فكرة الوحدة الطوعية لأقاليم السودان بما يمكن اعتباره الأساس النظري لفكرة تقرير المصير، وفي هذه الوثيقة يتجلى أيضاً التأثير الواضح للحركة الشعبية على الحركات المسلحة في دارفور، نتيجة تمترس قادتها السياسيين، بعد تجربتهم الطويلة مع الحرب، ولم يتوقف التأثير عند هذا الحد.