جوبا، نيروبي، دار السلام، بانجي، كمبالا محطات رئيسية لقطار الانفصال، وليس هناك أدنى شك أن عدداً من الدول المجاورة للجنوب ستعلن اعترافها بدولة الجنوب الوليدة، هذه الدول يمكن تسميتها بالدول التي تطمع في إيجاد موقع قدم لها بالجنوب، حيث إن سكانها يعانون من البطالة والفقر المدقع، علاوة على أنها تعاني من شح في الموارد والثروات الطبيعية وأهمها البترول والمعادن، ودول الجوار الجنوبي مثل كينيا، تنزانيا، أفريقيا الوسطى، ويوغندا بدأ مواطنوها الزحف نحو الجنوب، والتمركز في جوبا حاضرة الاستوائية.. أو كما يسميها الجنوبيون عاصمة الدولة الجنوبية المرتقبة. هناك عدد من الدول الأفريقية سوف تتحفظ وستتأنى في الاعتراف لموازنات سياسية ودبلوماسية وعلاقتها مع حكومة الخرطوم، ولكن في قرارة نفسها مشدودة بالنعرة الأفريقية من حيث اللون والملامح لمؤازرة الدولة الوليدة باعتبارها تمثل عنصراً أفريقياً بعيداً عن الانتماء العربي والديانة الإسلامية. وفي الجانب الآخر نجد أن هناك دولاً أفريقية ستمد غصن الزيتون للدولة الجنوبية، ولكن سيكون اعترافها غير معلن خوفاً على مصالحها القوية مع حكومة الشمال، وتبقى المعادلة صعبة بالنسبة لهم خاصة عندما يدركون حقيقة ما يرمي اليه الساسة الجنوبيون وأهدافهم الآنية والمستقبلية. الانفصال وتكوين دولة للجنوب بعد انسلاخها من الشمال، يستند على حقائق غائبة عن كثير من الدول التي تقف بعيداً وتنظر بنظرة أطماع في الجنوب، ولعل المتابع لسيناريو الانفصال منذ أن نال السودان استقلاله يستند إلى ركيزتين أساسيتين، الأولى: هو رفض الجنوب للعنصر العربي.. والثانية: إن الإسلام ديانة لا تتوافق مع العرف والتقاليد والثقافة لمعظم قبائل الجنوب المختلفة، لذا فإن أية دولة تؤمن بالحضارة والثقافة العربية والديانة الإسلامية، عليها أن تفكر ملياً عند الإقدام على الاعتراف بدولة الجنوب الوليدة، وبالنظر إلى تقارير ومرجعيات للباحثين الأجانب القدامى من بريطانيين وغيرهم، ودراستهم التي أجريت في القرنين التاسع عشر والعشرين، ومن خلال دراساتهم الميدانية للجزء الجنوبي من السودان، أكدوا جميعاً أن هناك فوارق ثقافية في الجنس والعرق بين سكان الجنوب الذين يؤمنون إيماناً قاطعاً بأفريقيتهم ومعتقداتهم المختلفة، وبين الشمال العربي الإسلامي ذي الجذور العربية والديانة الإسلامية، لذا فرض المستعمر الإنجليزي أثناء استعمارهم للسودان تطبيق قانون المناطق المعزولة، وفصل الجنوب ومناطق أخرى عن الشمال العربي المسلم وقطع حبل التواصل خاصة بين الشمال والجنوب، مما جعل الهوة ساحقة.. وظل الجنوب ردحاً من الزمن بعيداً عن الاتصال المباشر مع الشمال والتعامل والانصهار الثقافي معه. وأثناء الفترة الاستعمارية استغلت الكنائس المسيحية الأوروبية الفرصة وبدأت التبشير للمسيحية حتى في أحراش الجنوب لتغذية العقل الجنوبي بمفاهيم البغض والكراهية تجاه الشمال، مما جعل النفسية الجنوبية تتشبع بكم هائل من نظرة الحقد نحو الشماليين ووصف أهل الشمال بأنهم ينظرون إلى سكان الجنوب نظرة دونية. وفقاً لهذا العامل، فإن الاعتراف بدولة جنوب السودان قد لا يشكل أولوية عاجلة لبعض الدول، وقد لا يشكل أولوية على الإطلاق، ذلك لأن بعض الدول الأفريقية تعاني من وضع سياسي مضطرب لأسباب داخلية بحتة أو بسبب تدخلات غريبة وأمريكية في أوضاعها السياسية الداخلية. وبقراءة للمستقبل ستعمل الدبلوماسية الأمريكية في تنسيق تام مع الدبلوماسية الأوروبية على استجلاب الدعم السياسي لتهيئة الأجواء أو الحصول على تعهدات من الدول الأخرى للاعتراف بدولة جنوب السودان، وجعل الاعتراف بقدر الإمكان يأتي في دفعة أو دفعتين على الأكثر بشكل تستفيد منه الدبلوماسية الأمريكية والأوروبية في إغراء متمردي دارفور بالمضي في تمردهم وتعنتهم لإضعاف حكومة الخرطوم وتقوية دولة الجنوب لدرجة تشغيل أجهزتهم الدبلوماسية للحصول على حث الدول بالاعتراف بالدولة الجديدة في جنوب السودان. إن مشكلة انفصال الجنوب وتكوين دولة يعتبر من المشاكل الأفريقية العويصة، لكن أمريكا والغرب بدلاً من احتواء الانشطارات والجنوح نحو وحدة الشعوب عملاً بمبدأ حقوق الإنسان، يسعيان لتمزيق السودان للاستفادة من إمكاناته، لذا أدركت أمريكا عرابة اتفاقية نيفاشا، أن ما تبقى من فترة زمنية قبل الاستفتاء لن تكفي لحل كل هذه القضايا العالقة بين الشريكين، وفي نفس الوقت تخشى من أن تخلق دولة فاشلة تعيق خطتها لتمزيق السودان. وحقيقة أن أمريكا ليست سابقة التجارب وعديمة التجربة في استعمار الشعوب، وعليه فإن ميلاد دولة فاشلة وغير مستقرة سياسياً حتماً ستكون الدولة الوليدة في حالة حرب دائمة وتواجه العديد من التحديات.وخلاصة القول: وحتى لا يسرقنا الزمن ونفاجأ بظهور شمس التاسع من يناير 2011م، هناك فرصة متاحة للإخوة في الجنوب أن يركزوا على إفرازات الانفصال، ويعيدوا النظر في أهدافهم ومخاطر الخروج من مظلة السودان الموحد.