لا يغرب عن ذي نهى مقدار التأثير السالب للانفصال والى ما سيجره من عواقب منظورة وغير منظورة في الداخل وفي دول المحيط، بل يمتد الى أن يكون نموذجاً لكل دولة تعاني من تنوع وتململ اثنى لما يمثله السودان من قدوة عفوية لمعظم جنوب الصحراء، ولذا سيكون وبالا على افريقيا على حد سواء، وسيشجع مجموعات في الداخل الى ان تحذو نفس الحذو وخاصة بعد أن قوبلت مشاكل السودان الداخلية بتلميع وتهويل عجيب، على كلٍ الأماني لا تخدم المطالب بقدر ما يؤمنه التخطيط الاستراتيجي والعمل الفعال في المرحلة المقبلة لاستحقاق الوحدة والعمل على تلافي افرازات الانفصال. استراتيجية التحرك نحو الجنوب: ان يكون محورها الأساسي هو مخاطبة المواطن الجنوبي مباشرة ومحاولة فك ربقته من الفئة الموتورة سياسياً التي تطمح في أن تسجل تاريخاً شخصياً على كتل من الجماجم والاشلاء تحركهم مشاعر وافكار موتورة وتربية تؤججها فتنة ممتدة من عهود ما قبل الاستقلال وكراهية لكل ما هو عربي واسلامي، فأفريقيا التي انفعلت بالاسلام ايجابا واصبحت رائدة في الدعوة الاسلامية، ولم يسود الاسلام ولغته إلا بالحسني تداولاً وتاريخ دخول الاسلام خير شاهد، إذاً هذه الكراهية غير المبررة أدت إلى بروز جيل موتور بالكراهية ونال تعليمه على ايدي هدهدته وسقته هذا النزق فكبروا وكبرت معهم الشقة ودخلت السياسة ومن ثم الحرب، وفي كل هذا الخضم والمواطن الجنوبي العادي لا يدري ما يحاك وهو يرى بأم عينيه ان الشماليين هم الجلابة الذين يوفرون له ما يحتاجه وأنهم هم الرحل الذين يأتون موسمياً الى أرضه ويشاركونه ويشاركهم الماء والنار والكلأ والتصاهر ولم ينفصل هذا الاتصال الحميم إلاَّ بدخول تلكم الفئة التي اوعزت له بأن هذا الشمالي هو الذي استعبدهم ونسوا الاستعمار الذي اذاقهم ويلات التفرقة وبعد كل ذلك اتخذوا من لغته تعبيراً وحادياً، أليس هذا قمة الاستلاب؟! ولو كانوا يتبنون تجربة افريقانية خالصة ثقافياً وسياسياً لكان مسوغاً مقبولاً. الساسة الشماليون منذ عهد الاستقلال ينالهم من هذا الوزر فهم الذين انشغلوا وشغلوا بتوافه السياسة وتركوا جزءاً عزيزاً من الوطن يبتر تدريجياً، والمشكلة كانت كامنة في سوء التشخيص السليم لما يجري في الجنوب فنظروا اليه من زاوية عسكرية بحتة وامتطوه لتحقيق مآرب سياسية وتارة كوسيلة ضغط واذا الجرح رمَّ على فساد دل على اهمال الطبيب. السؤال المفصلي ماذا سيكسب الجنوبيون بعد الانفصال؟ ونيفاشا قد حققت لهم كل ما يرومونه وزيادة، حاوروا بسقوف مطلبية عالية جداً للكسب التكتيكي في المفاوضات فاسقط في ايديهم فنالوا نيلا لم يكونوا جاهزين للايفاء بمتطلباته تجاه مواطنيهم. اذا قال قائل إن الجنوب بعد الانفصال سياسياً سيكون له حرية الحكم الذاتي هو الآن يحكم نفسه ذاتياً متصرفاً في كل شئونه دون ادنى تدخل من المركز، وسيقول آخر - كما قال رئىس الحركة الشعبية - إن الجنوبي سيكون مواطناً من الدرجة الاولى بعد الانفصال، هو الآن من الدرجة الاولى لديه من الثروة المغدقة بعد بروتوكول تقسيم الثروة في نيفاشا فاغتنوا واقتنوا افخم ما يمكن اقتناؤه ولم يجابهوا بأية دونية. أما عن العلاقات الاجتماعية الاخرى والمصاهر فهذا شأن خاص فهو ليس اتفاقاً جمعياً او توجيهاً من رأس الجمهورية فنحن في أفريقيا وكل قبيلة لها من الطقس الاجتماعي ما لا يمكن تغييره بين ليلة وضحاها إلاَّ بالتعلم والترقي والرقي لكسر جمود تلك الحواجز. سيقول آخر سيكون الجنوبي منفكاً من الثقافة العربية السائدة، الآن الجنوبي وغير الجنوبي يعبر عن نفسه بلهجته ولم يكن هنالك منع من ابراز الثقافة المحلية بل شجع على ابرازها لاثراء الواقع الاجتماعي، وبالرغم من كل هذا هرب المثقف الجنوبي لثقافة أخرى سلبته لسانه وزيه وفكره وحتى هيئته. أما البترول الذي سيؤول الى الجنوب بعد خصم حصة مرور الانبوب في الشمال ستكون النسبة المتبقية بأي حال من الاحوال ليست الثمن المجزي للانفصال. والسؤال المقابل: ماذا سيفقد المواطن الجنوبي حال الانفصال؟؟؟؟ أول ما يفقده المواطن الجنوبي هو الفكرة المحورية التي اتخذتها الحركة الشعبية ومن قبلها النخب السياسية الجنوبية ألا وهي الكراهية لكل ما هو شمالي فتناسى الجميع المشاكل الكبرى والتف حولها الجنوبيون عاطفياً دون ابانه منطقية لها، فبعد الانفصال سيلتفت المواطن الجنوبي الى المشاكل الحقيقية بدءاً من الاستعلاء القبلي وعدم وجود الحريات السياسية ومتطلبات التنمية فيتحرك النسيج الاجتماعي المهترئ ويجر الجنوب والاقليم الى حالة من عدم الاستقرار فتنعكس سلباً على التنمية والتطور وهذا ما بدت بشائره الآن. وسيفقد الجنوب كذلك الدعم الغربي فعندما يقع الانفصال سينتقل الجنوب من ملف استراتيجي لتنقيص الشمال واحتواء المد الاسلامي والعربي الى ملف مهمل شأنه وشأن الدول الافريقية الأخرى التي ترزح تحت نير الجهل والمرض، فأفريقيا في الاستراتيجية الغربية هي أرض دون بشر أي لا تطور ولا نهضة ولا تنمية إنما موارد منهوبة. وينتج عن الانفصال كذلك دولة مغلقة والجميع يعلم ما تعانيه الدول المغلقة من انعدام الموانئ، ومن ثم الاتصال بالعالم وخصوصاً في افريقيا المضطربة حيث لا تستطيع ان تأمن على خط سكة حديد أو انبوب نفط من براثن المليشيات والحركات المسلحة. هنالك تركة ثقيلة من عدم الاستقرار في دول الجوار الجنوبي من جيش الرب ومشكلة مثلث أليمي مع كينيا وكل هذه كروت ستؤثر على الواقع الاقتصادي الجنوبي الذي تطمع فيه دول الجوار في أن يكون سوقاً منفتحاً للمنتجات اليوغندية والكينية وهذا مربط الفرس في تعليل ما تجد الحركة من دعم لا محدود. ملف النيل وما يترتب عليه ستجد الحركة انها مضطرة الى ان تنحاز الى دول المنبع دافعها الكراهية لكل ما هو عربي واسلامي او كما تفعل دول المنبع الآن وان كانت تلعب على ملف قناة جونقلي لتضمن الاعتراف من الجانب المصري حال الانفصال. الحركة قادت تحركات خارجية دولية واقليمية في محاولة منها لايجاد الدعم والاعتراف بالدولة الناشئة وهذا ترتيب كامل للانفصال، وأي ابراز لوجهة نظر مموهة عن الوحدة هي محض تكتيك مرحلي، وداخلياً استغلت الحركة قبضتها العسكرية في فرض خط الانفصال على انسان الجنوب العادي الذي غاية احلامه التنمية والأمن ولا شئ غيرهما. موجهات عامة: تنقسم خطة العمل من أجل الوحدة الى عدة محاور: المحور السياسي: خارجياً: تقوم الحكومة بحملة سياسية في مخاطبة الولاياتالمتحدة من خلال مراكز الدراسات الاستراتيجية، وشعبياً لأن التأثير الامريكي على الحركة قوي بما يجعلها تعيد النظر كرتين قبل الاقدام على أي عمل متهور لان المصالح الامريكية في المنطقة تحتاج الى نظام قوي لكي يحميها وليست فاشلة منذ الميلاد يتحرك فيها النسيج الاجتماعي سلباً ويؤدي الى عدم استقرار اقليمي متصلاً بالقرن الافريقي وأمامنا نموذج الصومال من احتوائه للارهاب والقرصنة ويتصل بجيش الرب مما ينتج عن ذلك أكبر مهدد أمني في القارة وهي التي تريدها امريكا رصيداً استراتيجياً للطاقات الناضبة في الخليج والمهدد من قبل ايران. اقليمياً: مصر التي عرف عنها بأنها أحسن من يلعب السياسة في المنطقة ولكن ان تعجب فعجب أمرها في السودان فدبلوماسيتها مرتبكة للحد البعيد فهي تتعامل مع الحكومة وفي مخيلتها التهديدات الاخوانية واسلامية الحكومة ولم تدرِ ان الحكومة السودانية باتت تلعب سياسة احترافية تستشرف الغايات السامية في التنمية وتكامل الأدوار وتبادلها، ولكن مصر تحولت الى يد تآمرية، بل ومهددة لأمن السودان، فمصر بامكانها ان تمسك بكل الملفات السودانية من الجنوب ودارفور وغيرهما وتجني كل خير في أمنها الزراعي والمائي وحتى الانفجار السكاني، ولكن دائماً من استبطان النوايا غير الحسنة يجعل من يخطط للسياسة المصرية تجاه السودان لا يتعمق بل يسيء فهم بعض التطورات الداخلية في السودان والمعلومات الاستخبارية وحدها لا تكفي في تكوين فكرة عميقة ومستقبلية مع الصديق اللدود، وأسأل مستفسراً: أين مراكز الدراسات الاستراتيجية ودورها؟ وأين الفكر السياسي الحادب؟ مصر تضيع الفرصة تلو الاخرى في الاستثمار في الوجدان السياسي والشعبي السوداني، فالمواطن العادي عندما يرى ما تفعله مصر والسودان سيعزز ذلك ايجاباً ، وكانت استراتيجية ناجحة منذ الاستقلال فالسودان مرتبط بمصر وجدانياً ونفسياً ولم تعاني مصر طوال تاريخها من السودان بقدر ما تعانيه الآن لان دبلوماسيتها جرتها الى مربع العداوة الشعبية، فدورها في مرحلة الاستفتاء كان من المفترض ان يكون دافعاً للوحدة باستغلال علاقاتها المتميزة مع امريكا فينعكس ذلك على ثبات حصتها في مياه النيل لانها تدري أكثر من غيرها في حالة الانفصال سيذهب جنوب السودان الى افريقانيته وقناة جونقلي ستصبح أثراً بعد عين. لكن ما أراه تضيع مصر السوانح من نيفاشا ودارفور والانتخابات وها هو الاستفتاء على الأبواب ومصر كأنها ليست معنية بما يجري . المحور الاقتصادي: ما يقوم به نائب رئيس الجمهورية من حملة تنموية في الجنوب الغرض منها ابداء الجدية من الحكومة تجاه الوحدة وهي مخاطبة مباشرة لانسان الجنوب وكل الأمل في ان تكون المشاريع التنموية مباشرة الى المواطن دون تسليم السياسيين أي مبالغ لأنها ستجد طريقاً آخر، وكذلك استراتيجية التنمية الاقتصادية تكون الرابطة بين الشمال والجنوب كالطرق البرية وغيرها ولو حدث الانفصال يكون الباب موارباً للوحدة العكسية، ومن خلال هذا البرنامج الاقتصادي تتم مخاطبة المواطن الجنوبي من خلال حملة اعلامية. المحور الاعلامي: ان يكون منصباً في التبصير بمزايا الوحدة ومخاطر الانفصال بعيداً عن الشحن العاطفي والمعنوي لكي لا يؤدي الى ما لا يحمد عقباه في حالة حدوث الانفصال الذي ليس هو نهاية الدنيا. المحور الثقافي:الجنوب به ما به من التعدد الاثنى وكل يرى الاستفتاء بمنظاره الخاص بترقب وخوف من العواقب الاستعلائية ويدور الجنوب مرة أخرى في حلقة مفرغة، وهذه القبائل لها آراء واضحة وميل بائن للوحدة فتكون هي حجر الزاوية في البناء الوحدوي. قبائل الاستوائية والشلك وبعض النوير تنظر بسخط لاستراتيجيات الحركة الانفصالية وحتى توزيع الثروة والسلطة، على العموم هنالك كثير من العمل يجب عمله عن طريق منظمات المجتمع المدني وغيرها . الكنيسة وما لها من دور فعال في تقريب الشقة كما كان لها دور من قبل ان تسودن في تعميق الشعور بالضيم وهو منهج غربي استعماري وضع لبذر الفتنة، وكذلك لا ننسى شريحة مهمة جداً ألا وهي مسلمو جنوب السودان الذين لهم رأي واضح في الوحدة، وكذلك لزعماء القبائل تأثير كبير جداً على أفراد القبيلة والعمل على استقطابهم وعمل دورات توعية لهم من خلال الوزارة المستحدثة بقيادة الوزير كمال عبد اللطيف، ولا ننسى الزعماء السياسيين المناوئين لما يدور في الجنوب ودورهم في التوعية والعمل السلمي التعبوي. العديد من العناصر يجب ان تستغل أحسن استغلال لجعل خيار الوحدة هو الواقع. تنامي الى المسامع ان هنالك التقاء على حل وسطى وهو الكونفيدرالية، ولكن ببساطة ما يجري في الجنوب هو عين الكونفيدرالية وان اختلف المسمى، واذا توافق الجميع عليه فيجب أن يجد دفعاً لانه ضرر اخف من ضرر. مدخل للخروج: عزيز أنت يا وطني برغم قساوة المحن برغم صعوبة المشوار ورغم ضراوة التيار سنعمل نحن يا وطني لنعبر حاجز الزمن حياتك كلها قيم تتوج همة شماء فكم في الدرب من ضحوا وكم في الخلد من شهداء والله المستعان