٭ وكأنما الحزب الشيوعي السوداني كان يخبيء لنا مفاجأة.. إذ أطل في أعلى هرمه القيادي بعد عبد الخالق والشفيع وقاسم أمين ونُقُد في ختام مؤتمره الخامس رجلٌ كهلٌ يدعى (الخطيب).. عرفنا فيما بعد أن اسمه الكامل «محمد مختار الخطيب». ٭ المفاجأة لم تكن غربية على حزب تُشكل «السرية» والعمل المكتوم جزءً مهماً من حياته السياسية وتدابيره المرعية.. لذا ابتلعها المجتمع السياسي والجماعة الصحفية يسير دونما توقف أو حتى تعليق.. فقد قدّر الجميع أن يكون الرجل من السهام النافذة الخطيرة المخبوءة في كنانة الحزب، وقرر أن يدفع بها إلى العلن في الوقت المناسب. ٭ لكن الصورة الكاملة جاءت متأخرة.. فبعد مرور دورة كاملة على إنعقاد ذلك «المؤتمر الخامس» الذي دفع بالخطيب إلى مقدمة المشهد، لم نرَ للرجل أو للحزب تحت قيادته دوراً مؤثراً في الحياة السياسية، حتى بقدر «العلنية» المتوفرة بحكم هامش الحريات المحدود الذي يتيحه الدستور والمناخ السياسي.. سواء في الشارع أو على صفحات الصحف أو الندوات الثقافية والنوعية، التي أشتهر الحزب العريق بالمساهمة الفاعلة فيها.. بطرح الأفكار الجديدة والمبادرات الخلاقة وتعبئة القوى الاجتماعية والفئوية والسياسية من أجل تطوير حراك عام يفضي آخر الأمر إلى تغيير منشود!. ٭ هذه الملاحظة على نهج القائد الشيوعي القديم/ الجديد أملاها عليّ اللقاء الذي أجراه محرر «الصيحة» الطيب محمد خير مع الأستاذ الخطيب.. خلال الحلقة الأولى من ذلك الحوار الذي دار كله حول الخلاف الذي يقوده الدكتور الشفيع خضر وبعض رفاقه مع مركز الحزب.. الذي هو الآن وبحكم نتائج المؤتمر الخامس في قبضة الأستاذ الخطيب ومَن والاه من رفاقه في اللجنة المركزية. ٭ ما لفت نظري حقاً في ذلك «الحوار الدائري» هو استمساك وتشبث الخطيب بذات اللغة القديمة والمفردات العتيقة، من قبيل «التكتل»... و«الاتصالات الجانبية» وحق اللجنة المركزية في تقديم «لستة».. أي قائمة بقيادة الحزب الجديدة.. للمؤتمر السادس «المؤجل» دونما ممانعة من ترشيخ آخرين بموازاتها بالإضافة أو النقصان كما قال. ٭ هذه اللغة وهذه المفردات تؤكد أن الحزب لم يشهد تطوراً يذكر، فقد كنا نسمعها خلال الستينيات، بعد أن تم توارثها منذ الاربعينيات التي شهدت مولد الحركة السودانية للتحرر الوطني «حستو» بين مصر والسودان، والتي أصبحت في وجهها الجماهيري «الجبهة المعادية للاستعمار» ومن ثم «الحزب الشيوعي السوداني». ٭ لكن ما استوقفني خصوصاً في دفاع السيد الخطيب عن عدم السماح لنشطاء الحزب بالتفاكر أو النقاش أو بلورة أي رأي أو فكرة خارج أطر المنظومة الحزبية هو قوله لمحاوره : لا تنسى هذا حزب «ثوري وليس حزباً لبيرالياً»! ٭ لم ينبئنا الخطيب، بالعلاقة الطردية أو المفترضة بين عملية الاختيار أو التقدم للقيادة، وبين كون الحزب ثوري أم ليبرالي... لكن الأهم من ذلك هو: متى تبنى الحزب الشيوعي السوداني صراحة «العمل الثوري» أو «الكفاح المسلح» أو أي شكل من أشكال التغيير العنيف غير مرة واحدة فُرضت عليه.. كما يُجمع المراقبون وحتى الشيوعيون منهم عبر عملية (19 يوليو 1971) الانقلابية.. فما يجب أن يقره السيد الخطيب هو أن الحزب الشيوعي حزب «ليبرالي» بامتياز.. وكان العمل البرلماني والنقابي دائماً هما العكازتين اللتين نهض عليهما نشاط الحزب بل تاريخه كله.. وليس في هذا ما يعيب.. وكان لزعيمه التاريخي عبد الخالق محجوب القدح المعلى في التأصيل النظري لهذا النهج.. الموسوم «التطور السلمي الديمقراطي».. الذي ميّزه عن غيره من الأحزاب الشيوعية الثورية عبر العالم.. وللزعيم أسبابه ومبرراته اختلف الناس معها أو اتفقوا. ٭ نحن في انتظار المساهمة الفكرية والعملية لقيادة الخطيب، كما كان يفعل عبد الخالق ونقد ورفاقهم.. وليس التشبث بمقاعد القيادة عبر (الحيل البيروقراطية) العتيقة مع وافر الاحترام.