تولد القصيدة لديه كما يولد التاريخ في سحر التضاريس اليمنية.. إنها «بلقيس» تدعو عشاقها إلى نجدة الأحلام القديمة، وشاعرنا «عبدالعزيز المقالح» بحفر بأول نجمة في ليل صنعاء مخابيء الضوء ليقيم محفلاً للأصدقاء الذين تدعوهم الذاكرة إلى موائدة الشعر. - الدكتور عبدالعزيز المقالح شاعر متميز كلما دعتنا قصائده إلى حالاتها المتعددة. - في مجموعته الشعرية ذاكرة تصويرية واستنطاق زمن آخر يقف أحياناً بين زمنين- زمن الشعر المحزون.. وزمن المرافيء، حيث الأصدقاء برحلون وثمة رؤيا مستحيلة لهذين الزمنين. - هطلت على دمي القصيدة ذات صبح هاديء كانت هي القيم الوحيد على مدار اليوم كان الأفق أبهى من جبين حبيبة ضحت دنت مني القصيدة في ثياب الصبح القت صمتها في دماء وجهي فاغتسلت بعطرها ومشيت مزهواً كأني أرتقي معراج هذا الشعر وحدي.. لا ينازعني أحد هطلت على القلب القصيدة كان مسكوناً بحزن في اتساع الأرض مشحوناً بضوضاء البلاد وخوفها.. ü لم يكن في ذهنه «وقتئذ» سوى زمن واحد هو الزمن العربي الذي نحياه- زمن الأمر الواقع- بقبحه وأحلامه القليلة، بالتأكيد هناك العديد من المحزنات تحدث في واقعنا على امتداد الأزمنة وفي الذات إحباطات ليس لها حد.. ولا زمن كذلك ولا مدى. يقول شاعرنا «أشد تلك الإحباطات وأكثرها حزناً ومرارة، هو ما نراه على بعض وجوه الأصدقاء القدامى من رماد مخيف كرماد يوم القيامة.. أو كرماد الموت»، قد تكون الوجوه التي تحدث عنها الشاعر هي وجوه الزمن نفسه.. هذا الزمن القبيح المتلون، المتغير وغير الهادف.. لم يزل مترجرجاً، كلما اقتربنا منه هرب إلى آخرين. - والقصيدة.. - طاب لها العروج .. حين - أدركت زمن الخروج - هطلت على جفني القصيدة - في صباح هاديء - كانت طبور الخوف تنقر - وماء الحزن يهطل - بيد أن ندى القصيدة كان أكبر - ماء أحزاني توارى خلف أطياف القصيدة.. ü الشاعر يبكي الحلم الكبير الذي ذهب.. يبكيه في أشخاص أصدقائه وأحبابه الذين رحلوا كصلاح عبدالصبور وأمل دنقل وعبدالله الحمران، ويبكي نفسه أيضاً في رثاء «بقعة الضوء».. بقعة الأمل التي كان يمثلها الرائد- الحاضر - الراحل جمال عبدالناصر حين يقول نثراً «بقعة الضوء هي جزء من الواقع، وجزء من الذاكرة، وجزء من التاريخ، ورثاؤنا لهذه البقعة لابد أن يكون حزيناً وعميقاً، لأن البقعة لم تتسع، بل حدث ما يشبه الجزر، وبدأت تضيق وتضيق وتختفي، ولم يبقَ أمامنا سوى المراثي المثيرة للشجن وللخوف ولما هو أشد من الخوف والرعب من لحظة الحاضر، ومن لحظة المستقبل، وأنا لا أريد أن أبدد بوارق الأمل المتبقية في النفوس، وإنما أريد أن أشعلها في النفوس.. أريد لبقعة الضوء أن تمتد من جديد».. نحن معك نريد لهذه البقعة أن تكون موجودة في صدر العصر وإلا سنظل منكفئين على أنفسنا وعلى قضايانا الشخصية، نستهلك الزمن بلا فائدة.. والقصيدة هي أولى الصحوات وهي السلوات.. - أقصى صحوة لشفيف أحلام - وأشجار من السلوات - ماذا بعد تنتظر القصيدة - هطلت على الورق القصيدة - بعد أن لفت ثياب الرعشة الأولى.. تعرت.. - في الهواء الطلق عانقها بياض عاشق وأنامل من فضة كالصبح.. - هنا تشكل الأحلام والمدن الطرية في القصائد - هل تشكلت القصيدة.. بعد صمت باذخ؟ - خرجت إلى اللا وقت - لكنها اصطدمت بأول قاريء بشتاق قبل الشعر للثوب النظيف - عبثاً تحاول أن تكون قصيدة على عالم أعمى - يجوع إلى جواهر المعنى - ويحلم بالرغيف.. ü إنه شاعر يقيم في الشعر، ويتنفس من رئتي القصيدة، لأنه يعتقد أن الشعر رغيف يخبز للجمهور.