أنعِم بها من عُشرة طيبة، و مجلس علم كان يتنقّلُ حيثما حلّ شيخ العرب، الدكتور عبد النبي عبد الله الطيب النوبي، أستاذ الاعلام الشهير..كان صاحبنا على بصارة فائقة بفقه المقارنات، وذو صبر مهول في البحث داخل بطون الكتب.. ناغمته قبل أيام برجع صدى الزمان الذي كان يحلو الحديث فيه عن غزليات الحاردلو ، وود ضحويّة ، وود شوارني ، والصادق ود آمنة...وجدت الرجل عاشق البطانة، قد بارح تلك النوافذ ، ووقف عند الأسيات وندب الشوق للبادية ببحّة لا تخلو من الحَزَن.. كان صاحبنا في ما مضى، يعيب على أهل المدائن تمسكهم بترديد مقاطع مشاهير البطانة، بينما صياصيها ومضاربها، مرحاتها ومراتعها، وكل ما فيها يدل على أن غالبية أهلها شعراء أو رواة للشعر... استعاد صاحبنا، ناصية القول بابيات في الفخر، للعاقب ود موسي، وهو من فحول شعراء البطانة: " نِحنَ سهمنا دايما في المصادف عَالي / نِحن العِندنا الخُلُق البِتاسعْ التّالي/ نحن اللّي المِحنْ بِنْشيلها مَا بِنْبَالِي / بِنْلوك مُرِّهنْ لامِنْ يَجِينَا الْحَالِي".. ومضى إلى القول: "البطانة وأهلها صورة من جمال الطبيعة وجمال النفوس، ولا تُذكر البطانة إلا ويذكر الصيد والطبيعة والدوبيت. ورغم أن البطانة من أجمل مناطق السودان وأكثرها ثراء في مواردها ، وقبلها انسانها،، إلا أنها أكثر مناطق السودان التي أُهمِلت ولم تجد الرعاية والإهتمام منذ نشأءة الدولة السودانية الحديثة... حتي القليل من التنمية ، من مدارس و مستشفيات، فقد شيِّد بسواعد ابنائها، وحتي عندما قام مشروع حلفا الزراعي / خشم القربة، فإن هدفه الأساسي لم يكن أهل البطانة وإنما كان اهلنا النوبة ، الذين هجروا قسرا من أرضهم في الشمال البعيد..كانت البطانة لهم حضناً وملاذاً ، واستقبلهم أهلها بسماحة خللقهم، و لم يطالبوا بتعويض، ولا أولوية في المزارع ، أو أماكن السكن، وانما رضوا بان يكونوا علي الهامش".. يضيف د. عبد النبي، " أن البطانة اليوم، علي شفا بركان، أخشي ان ينفجر. والسبب قرار غير مدروس بانشاء شكل جديد من أشكال الإدارة الأهلية لإحدي قبائل البطانة، والتي تاريخيا كانت قيادتها لأهلنا الشكرية ، وتحديداً بيت آل ابوسن، والذين اداروا ربوع البطانة بحكمة وحنكة ودراية بمكونات المنطقة الاجتماعية ، والتي شكلت ادت في النهاية صورة زاهية من صور التماذج القومي. وعلي الرغم من تعدد القبائل بالبطانة ، وفروع وأفخاذ تلك القبائل إلا أن الجميع، انصهروا في بوتقة واحدة تلاشت فيها الحدود الفاصلة بين اطراف النسيج الاجتماعي... كل هذا أصبح مهددا بالزوال، بل والتحول لحالة من العصبية والاحتراب ، بعد القرار الذي اتخذه والي القضارف بمحاولة تغيير الخارطة الادارية والبشرية التي تراضي عليها الناس ،،وبذلك فتح الباب واسعا ، لمطالب طالما عالجتها حكمة الادارة الأهلية في السابق..واذا لم تدرك العناية الإلهية البطانة وأهلها، فاننا موعودون بدار فور جديدة في هذه الأرض الوادعة"..! واذا حدث ما نخشاه يقول د.عبد النبي " فإن مكاناً عزيزاً من بلادي سيضيع، وسيتحول السكان إلي مهجرين ولاجئين..ففي كل يوم نطالع بيانات التعبئة ،واستعراض القوة والسلاح، وإبليس شاطر كما نقول..وكأحد أبناء البطانة ، يحق لي أن أرفع الصوت عاليا لكل العقلاء، ألّا تخربوا بيوتكم بايديكم ، ولا تنقضوا غزلكم بأيديكم ،فتصبحوا أيدي سبأ، وبعدها فلن نجد من يغني للبطانة وجمالها وحِسانها ، والكريم من صفات أهلها...أري تحت الرماد وميض نار، وأخشي أن يمون لها ضُرام،، فان النار بالعودين تزكي، وإن الحرب أوّلها كلام"..!