هناك أشياء ومعانٍ إذا خالطتها المادة فسد أصل بهائها، وجف رحيقها.. وخبا بريقها.. فلكل إنسان صفات جينية خاصة به تتحكم في تشكيله ومعطياته وموهبته الفطرية التي تحتاج إلى بعض الدعامات الخارجية حتى يصبح لها إطارها المختلف الذي يميز صاحبها. المتتبع للحركة الفنية بكل زخمها لابد أنه قد لاحظ إلى أي مدى تطاول اعراب الهبوط وساقط القول في بنيان السوامق بكل ما هو غث ورديء!!.. في ساحات الغناء أصبح فيها (طلب الضرب بمسدس الحبيب هو الداعي للبهجة)!.. واقترح تسمية الأغنية (بالحب في تكساس).. وهكذا تمضي بنا الأيام ما بين بديع مندثر.. وهابط متسلق.. وذائقة سمعية شبه منحرفة لجيل لم يسمع بالتأكيد يا ضنين الوعد.. أو هوج الرياح.. ولا يعرف الطمبارة ولا الحكامات.. الحقيبة وصلاح أحمد ابراهيم والدوش وأبوعركي البخيت..! أين هم من: بخاف أسأل عليك الناس وسر الريدة بينا يذيع هل تراهم قد استنشقوا رائحة الفل والياسمين في:0 ربيع رياضنا ولى أمن أعطافك النشر وهذا النور يبسم لي عن الدنيا ويفتر..! وأنظر لا أرى بدراً. فأنت الليلة البدر مساكين هؤلاء.. إن جل ثقافتهم مثل أغنية (شوفتك يا حبيبي.. إنت شوفتك بتخلع).. بالله عليكم ده حبيب ولا بعاتي؟!.. تتبدل الأزمان وتظل الثوابت راسخة.. والمعاني الشفيفة خالدة.. والعظماء يسكنون الوجدان الكابلي.. عثمان حسين.. الجابري.. أحمد المصطفى.. محمد ميرغني.. هاشم ميرغني وملك اللحون الآسرة الحنونة حافظ عبد الرحمن وغيرهم..! رسخت في وجدان الشعب أعمال خالدة ظلت هي الزاد في جفاف الأيام ومطر يبابها.. ولم يعرف الماضي نزاع أو صراع.. حقوق أو نقود.. لذا ظل الخلود في حرز مكين قبل أن تهب عليه رياح الخماسين لتطالب بأن يكون للإبداع ثمن..! فهل تصلح ساحات المحاكم لتصغي لانسياب المعاني ورقراق اللحون.. ومتى خلد القضاء (هجعة حنين تلقفتها الآذان الظامئة لجبيرة تضمد كسر الخواطر والوجدان). كيف للموسيقار والملحن والشاعر الذي عزف بخلجاته.. ودندن بألحانه.. وكتب بنبضاته فأصبحت القوافي تصدح في الوتر المنساب أنغاماً لا ينساها الشعب؟ ودارت دورة الأيام ونحنا مع الزمن أغراب متين تتحقق اللقيا ومتين يتقابلوا الأحباب بالله كيف تكون المادة وبضع دريهمات مهما بلغت قيمتها.. تجعل من أبدع وأتى بما لا يستطيع أن يأتي بمثله بسهولة.. أن يصبأ ويتبرأ من كل ذاك الإبداع ويقول فلان تغنى بأغنيتي في المكان الفلاني.. أو سأسحب كل أغنياتي.. أشعاري.. ألحاني من فلان لأنه لم يدفع كافة حقوقي المالية والأدبية! زاوية أخيرة: وأنا ابنة القانون الشرعية.. العارفة ببواطنه.. المدركة لمعناه.. المؤيدة لفحواه.. أرى أن القانون لا يصلح أحياناً في إسباغ المادية على بعض المعاني الإنسانية والوجدانية.. فبعض الأشياء تفقد قيمتها إذا أصبح لها ثمن!