فرحة التلاميذ بعطلة يوم واحد؛ لا تضاهيها فرحة والأغرب من ذلك أنهم كلهم يتساوون فيها؛ بالقفز في الهواء والإنتشاء خاصة إذا كانت مفاجئة لهم فما أن تعلن العطله لهم إلا وعمت الفرحة ،فلا تجد منهم متضجرا أو حزينا لفراق مدرسته ، سواء كان قد مكث بها عاما أو أعواما بل تجدهم يتسابقون زرافات ووحدانا، نحو باب مدخلها الذي دخلوا منه قبل قليل حين جاءوا من أهلهم إليها وتجدهم في قمة السعادة وغاية السرور، والابتسامة تعلو كل وجوههم فلماذا يا ترى هذا الشعور؟ لماذا يفرح التلميذ بفراق مدرسته؟ والذي من المفترض أن تكون هي مكان حبه وشوقه ومبعث حزنه ، وسأمه لفراقها فهي تجمعه بأقرانه وأساتذة تربيته ومعرفته لماذا ؟لماذاهذا الشعور المخيف؟ إن تحت فرحتهم الكبيرة هذه ترقد الإجابة فهي تعبير واضح عن الكآبة والسأم والملل، لهذا المكان فالبيت والحي صارا أكبر جاذبية منه لما فيهم من سبل ترفيه لهم ، أما المدرسة فما عادت جاذبة يشتاق إليها أحد منهم، فالحصص فيها تتراص كأبيات القطار لاتفصل بينها إلا خمس دقائق هى للإستعداد للحصة التي بعدها ، وهكذا ساعات اليوم الدراسي بطوله ، فلا متنفس بينها ومن يتحدث منهم في فراغاتها فهو مهرج ، لا بد من محاكمته وعقابه فلا الحدائق ذات الأزهار المختلفة تملأ نفوسهم سعادة ولاالمسرح الذي تقام عليه الجمعيات الأدبية والثقافية ،وحتى وإن وجد ...ولا رياضة تبدأ بجمباز الصباح يروض أجسامهم وينشطها ، ولا المكتبة التي تبعث فيهم روح التجديد وتزيد من حصيلتهم المعرفية وتغير من جوهم، وتنمي من ثقافتهم وتجددمن نشاطهم الفكري ، ولا القصة التى تتخلل حصصهم وتحليها ، وتوسع من خيالهم ومداركم أما المعلم فهو رغم مايقوم به من جهود ، فقد أصبح مشتتا يصارع في الحياة من أجل معيشته ، وقد أخذه همه لدرس خاص يزيد به من راتبه الذي صار لايفي بمتطالباته ومتطلبات أسرته ، وعليه مقرر محاسب على تكملته ومراجعته ، والهموم تتبع صاحبها مهما كانت شخصيته وقوة إيمانه بكل ذلك وغيره، نأى التلميذ معنويا _عن مدرسته ومعلميه ، فتدنى مستواه وتعرج خطه وتدهورت لغته العربية والأجنبية أما عن بقية المواد الأخري وهي معها كذلك فقد صار فهمه لها عن طريق المذكرات ، التي توفرت في كل مكان وهي كانت للاستذكارولكنها صارت المرتكز للفهم عندهم ، وتكرار قراءتها لحفظ السؤال والجواب للامتحان ، لا لفهم الدرس من كتاب والبحث فيه للعلم والمستقبل ،.أما عن الرسوم الدراسية التي يسأل عنها التلميذ لا ولي الأمر؛ الذي أرهقه السوق، وشتت أفكاره وأنهك مروءته،فسؤال ابنه عنها أمام أقرانه عن تأخيرها أو نقصانها أو عدمها،ولونظرت لجبة الفطور التي يتفاوت التلاميذ في تناولها وتنوعها لرأيت مشاهد مؤلمة؛فمنهم من يحمل في جيبه مايكفي الفقير لرسومه الدراسيه،.ومنهم من لايجدها حتى في بيته اذا رجع آخر اليوم وناهيك عن تفاوت الأعمار في ساحة واحدة وماينتج عنه من احتكاكات واغراءات من الكبار للصغار. ..إلخ . إن مسألة التعليم في بلادنا تحتاج إلى إعادة نظر ، فإذا كنا ننشدها بحق وحقيقة فالتعليم هو أساس الدولة ومصدر نموها وتطورها فإن لم نعطه النظرة الجادة والاهتمام الكامل ، فما أسرع تهالك بلادنا وما أسهل جهلها وخرابها ودمارها ، فتهيئة المكان المناسب ومايحتاجه لهذا الكم الكبير من الدارسين ، بكل لوازمه المريحة والجاذبة وتوفير الكوادر من المعلمين لكل المواد وتدريبهم ، وتوفير الكتاب المناسب ووضع نظم تشمل مايجعل المدرس والتلميذ مستقرين شيء ضروري ،فبدونها سوف تظل المسألة أكثر تعقيدا والمستقبل أكثر ظلاما أمام الأجيال الحالية والقادمة ، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، كماقال الرسول (صلى الله عليه وسلم ) فإن فعلناها وزدنا من ابتكاراتنا فيها ماسمعنا صراخ التلاميذ عند إعلان عطلة ولسان حالهم يقول : مدرستي. .ومنك أطير فرحانا