* ربما أوشكت حالات الاشتباكات بالأيدي داخل اجتماعات الأحزاب السياسية أن تتحول إلى ظاهرة، فخلال ثلاثة أيام فقط من الأسبوع الحالي، شهدت الساحة السياسية حالتين من حالات الملاسنة والمشادة والاشتباكات، الأولى مسرحها في وسط الخرطوم بقاعة الشهيد الزبير، والثانية جرت تفاصيلها أمس الأول بدار حزب الأمة بأمدرمان . بيد أن الأعوام السابقة شهدت عدداً كبيراً من الحالات المشابهة، ففي العام 2009 دون د.الوليد آدم موسى مادبو ابن القيادي البارز بحزب الأمة القومي بلاغاً بالقسم الجنوبي بالخرطوم في مواجهة نجل الإمام الصادق المهدي بشرى المهدي إدعى فيه الاعتداء عليه، وإشهار بشرى للسلاح في وجهه وتهديده بالقتل حال استمراره في نقد والده زعيم حزب الأمة. * فلاش باك وشهدت جنينة السيد علي الميرغني وسط الخرطوم أحداثاً مشابهة لحادثة الوليد مادبو التي جرت تفاصيلها أمام مضمار الفروسية جنوبي الخرطوم، حيث إدعى القيادي البارز بالاتحادي الديمقراطي الأصل علي السيد، إشهار حرس الناطق الرسمي باسم الحزب إبراهيم الميرغني السلاح في وجهه، بعد مشادات كلامية بينهما حول إدارة مؤتمر صحفي يناقش مشاركة الحزب في الحكومة، خلال العام 2014 وقبل أن يغادر السيد غاضباً من الجنينة أشهر أحد الشباب الذي إدعى انه حرس شخصي لإبراهيم الميرغني مسدسه في وجه علي السيد وهدده بالقتل . لكن إبراهيم الميرغني كان قد نفى صلته بالشخص المعتدي، وأنكر وجود حرس شخصي له، بيد أن السيد كشف عن أن أربعين شخصاً تم تعينهم لحراسة أسرة المراغنة ويتواجدون بمنزل زعيم الحزب (دار أبوجلابية) . * ظاهرة خطيرة الأحداث التي وقعت مجتمعة خلال الأعوام السابقة، ربما تشكل في مجملها ظاهرة خطيرة تهدد الممارسة السياسية السلمية بالبلاد، وتعرض الأحزاب الضعيفة في الأصل إلى التلاشي في المستقبل، ويحذر أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية بروفيسور حسن الساعوري من الظاهرة التي بدأت في التنامي بشكل خطير، ويرجع أسباب بروزها إلى انعدام الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية السودانية مجتمعة، بما فيها الأحزاب التي تجعل من الديمقراطية نفسها واحدة من مرتكزاتها الأساسية، لكن ممارسة قياداتها القابضة حولتها إلى أحزاب أكثر شمولية بسبب وضعهم أصابعهم على آذانهم كلما جاء رأي الأغلبية مخالفاً لارائهم الفردية، ما يفتح الباب واسعاً إلى جنوح ذات الأغلبية إلى استخدام العنف كوسيلة ضغط لاسماع رأيهم، ولم يستبعد الساعوري انتقال أمراض القيادات إلى شباب الأحزاب بقوله (من شابه أباه فما ظلم) وعن ما حدث أمس الأول في اجتماع المكتب السياسي لحزب الأمة قال الساعوري ان تلك ممارسة سيئة ونموذج يكشف زيف شعار الديمقراطية الذي ترفعه أحزاب المعارضة، وبالتالي فإن كتب لها الاستيلاء على السلطة بالطبع سيكون حكمها شمولياً . * أحداث معزولة القيادي البعثي محمد علي جادين لم يرق له تسميته هذه الأحداث بالظاهرة وأعتبرها في حديثه ل(آخر لحظة) بأنها أحداث معزولة ناتجة عن انفعالات فردية لا ترقى لمستوى أن نطلق عليها ظاهرة بالمعنى المعروف، وقال جادين إن باب معالجة الخلل وردم الهوة التي خلفتها ممارسة النظام الحاكم لم يوصد بعد في وجه من أراد الإصلاح، لاسيما شباب الأحزاب الطامحين في بناء أحزاب سودانية قوية تلبي طموحاتهم بالوسائل الديمقراطية، وبعيداً عن التغيير الثوري داخل الأحزاب السياسية، والسعي لتصفية قادتها وتجريدهم من صلاحيتهم دفعة واحدة، كما في حالة التغيير التي حدثت لأحزاب بعينها خلال العامين الماضيين الشيء الذي ربما يضر بمسيرة الحزب ويقعدها . صورة قاتمة تفاؤل جادين بامكانية الاصلاح بالوسائل الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية بعيداً عن الملاسنات والمشادات الكلامية والتشابك بالأيدي، تفاؤل لم يوافق هوى نفس عضو هيئة القيادة بالاتحادي الأصل علي السيد الذي أبدى تشاؤما كبيراً، ورسم صورة قاتمة لمستقبل الأحزاب السياسية بالبلاد، وتوقع مستقبلاً أكثرعنفاً واستمراراً للحالة الراهنة، وبرر السيد وجهة نظره المتشائمة بما يحدث الآن داخل الأحزاب السياسية والنظر إلى المشكلة الحالية بأبعاد أكثر علمية وواقعية بعيداً عن العاطفة، وقال ل(آخر لحظة) إن انسداد الأفق داخل الأحزاب مقروءًا مع حالة الاحتقان السياسي في البلاد عموماً، والذي أفرز واقعاً اكثر قتامة لمستقبل هذه الأحزاب التي اعتاد قادتها على اغلاق كل منافذ داخلها لسماع الراي الآخر والانفراد بالقرار المصيري للحزب، وتنصيب أفراد بعينهم للحديث باسم الحزب والتعبير عن وجهة نظر القائد، بعيداً عن رأي الجماعة كما يحدث في بعض الأحزاب، ففي مثل هذه الحالة يجد العضو الحزبي الملتزم نفسه محروماً من التعبيرعن رأيه ومسلوب الإرادة، وبالتالي يلجأ إلى وسائل أخرى تدفع به إلى خانة المتفلتين، كأن يلجأ إلى الأعلام أو أن يستخدم العنف سواء أكان لفظياً أو مادياً، ويصارع من أجل أن يقول رأيه، أو أن يرفض وجهة النظرة الأحادية التي تصدر من قائده .