في الوقت الذي خمدت فيه النيران في أنحاء دارفور وصمت صوت الرصاص ولم يعد هناك أثر لذلك، إلا في بعض الجيوب بجبل مرة التي تعاملت معها القوات المسلحة مؤخراً. في هذا الوقت الذي خمدت فيه النيران ارتفعت ألسنة اللهب والدخان بشكل كبير حتى بلغت عنان السماء في شمال دارفور وتحديداً مدينة الطويشة التي كانت على موعد مع حريق ضخم لم تشهد له مثيلاً في تاريخها، شب عند الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح أمس السبت، بمنزل محمد إبراهيم أحمد عضو مجلس تشريعي ولاية شمال دارفور، لينتقل بعده بسبب شدة الرياح إلى المنازل المجاورة، بحسب عثمان عباس ضو البيت وكيل ناظر عموم شرق دارفور، الذي قال ل «آخرلحظة» إن المنازل التي احترقت بلغ عددها 56 منزلاً وتقع في الجزء الجنوبي الغربي لسوق المدينة. تعايش سلمي: الطويشة التي تقع في الجزء الجنوبي الغربي لولاية شمال دارفور هي منطقة قديمة، يرجع تأسيسها قبل أربعة قرون مضت، وهي المدينة الحديثة للطويشة القديمة «بوباية الطويشة» حسبما أشاربحرالدين إسماعيل رئيس حركة العدل والمساواة المشاركة في الحوار الوطني، وهو من أبناء المنطقة، و تعيش في منطقة الطويشة قبائل متعددة في تعايش سلمي، و تعتبر قبيلة البرتي أكبر القبائل تواجداً، والمحلية التي سميت باسمها هي العاصمة الثقافية للبرتي، وتضم خليطاً من الثقافات الدارفورية المتجذرة في التاريخ القديم، أما المواطنون هناك يمتهنون الزراعة والثروة الحيوانية و النشاط التجاري المحلي. سبب انتشار النار: وكيل الناظر قال إن الحريق استمر ساعة ونصف، وما ساعد على انتشاره حركة الرياح في اتجاهات مختلفة، وقال إنهم كقيادات وإدارات أهلية سيكونون لجنة لحصر الخسائر والتواصل مع القيادات المحلية في المحلية والمحليات المجاورة للمساهمة في إعانة المتضررين، وأشار إلى أن ما زاد أيضاً من انتشار الحريق عدم وجود عربات مطافئ كافية، حيث توجد عربة واحدة وتم الإطفاء عن طريق تحرك سيارات المواطنين، لتبقى الحقيقة التي اطلعت عليها الصحيفة في زيارتها للطويشة قبل أسابيع، أنها تعاني مشكلة مياه، وهذا ربما ما أخر عملية الإطفاء حتى أجهزت النيران على المنازل التي قال عثمان إن أبرزها منزل العمدة حافظ علي محمود والعمدة المرحوم شرف الدين عثمان. دعم فوري: المعتمد أبوبكر لين قال ل«آخرلحظة» إن الحريق بالمدينة تم احتواؤه في الواحدة ظهراً، وتم تشكيل 3 لجان، الأولى لحصر الخسائر والثانية لتقصي الحقائق والثالثة لاستقطاب الدعم. وأضاف قدمنا الدعم المادي والعيني للمتضررين خاصة وأن فيهم طلاباً ممتحنين للشهادة السودانية، ووفرنا خياماً ومياه ومشمعات، وأن الأسر التي تضررت بالكامل 36 أسرة والمنازل المحترقة أكثر من 50 منزلاً، مشيراً إلى أن حكومة الولاية تحركت فوراً، ومن المقرر حسب قوله أن تصل قافلة دعم اليوم من الفاشر لبعد المسافة من العون الإنساني والاتحاد الوطنى للشباب السودان مؤكداً عدم وجود خسائر في الأروح. البناء والتدمير: القدر ساق ابن المنطقة الأستاذ عثمان يوسف كبر ليكون والياً لشمال دارفور التي قضى فيها أكبر فترة يقضيها والٍ في عهد الإنقاذ، وبمثل ما أن الوالي السابق لم ينسَ أهله من المرافق الخدمية ومشروعات التنمية ، إلا أنه وبسبب كونه قيادياً في الحكومة فقد جلب لها استهداف الحركات المسلحة التي ظلت تهاجمها مراراً منذ العام 2004 وحتى 2014 م الذي شهد آخر هجوم وهو الأعنف من نوعه، عندما هاجمت حركة تحرير السودان بقيادة مني آركو مناوي المدينة مما أسفر عن تخريب منزل كبر ونهب وإحراق العديد من المنازل والمتاجر، وبالرغم من أن هنالك أعداداً كبيرة من أبنائها في صفوف الحركات، وكانت أكبر أرقام الذين قضوا في صفوف الفصائل منها تحديداً، لم يشفع لها ذلك وظلت محور الاستهداف. قيادات من رحم الطويشة: بجانب كبر وشقيقه خبير التعليم محمد الأمين كبر، خرج من أحيائها عدد من القيادات في الحكومة والحركات المسلحة في مقدمتهم أبوبكر آدم إسماعيل معتمدها الحالي وعصام عبدالله الزين من المؤتمر الوطني وأبوسيل أحمد آدم عوض الله أحمد إبراهيم وبدوي خميس كره الذين ينتمون للمؤتمر الشعبي إلى جانب عيسى بحرالدين رئيس مجلس التحرير الثوري السابق لحركة مناوي وعبدالكريم الشيخ رئيس وفد المقدمة لمناوي عقب توقيع اتفاق أبوجا، فضلاً عن بحرالدين إسماعيل و عبدالمجيد أحمد صديق بحركة العدل و المساواة. ومضى بحر قائلاً إن سبب تمركز الحركات فيها منذ اندلاع الأزمة في دارفور، الموقع الجغرافي المميز للمنطقة، حيث كثرة الأشجار و الأماكن التي تساعد الحركات في الاختفاء فيها وحجم المعاناة و التهميش الذي لحق بالطويشة وما جاورها. جيران المنطقة: تجاور الطويشة شمالاً جابر، ام حوش، دميرة، توم بشاره ام جرهمان، وغرباً تحدها عزبان، أم سعونة، بوباية الطويشة، أم كدكود، كروية لبن، أما جنوباً فتجاورها حسكنيته، انضراب، ومناطق اللعيت جار النبي، شرقاً عيال أمين، حموده، أميرة، والمسافة إلى المدينة من الخرطوم وعبر طريق الإنقاذ الغربى يتم قطعها بسيارة خاصة في 20 ساعة من السير المتواصل، وكان المدخل لها من الطريق العام في منطقة جبل بروش، كما أن هنالك طرقاً أخرى توصل إلى طريق الإنقاذ عند نقطة أو محطة الدم جمد في ذات الطريق، وبفضل وصوله قربها ثم إلى الفاشر فقد انتعشت مؤخراً وأصبحت البضائع تصلها من أم درمان بكميات كبيرة وأسعار منخفضة، كما أن منتجاتها وجدت طريقها إلى الاسواق المجاورة والبعيدة.