الوطن ذلك المكان الذي يشكل كيان الشخص بانتمائه إليه وجدانياً وقبلياً، يبدأ من رحم الأم ونحن أجنة صغيرة، فنكبر ونترعرع داخل مساحة محدودة الأنسجة وكبيرة المعالم، فتبدأ اللبنة الأولى لمعنى الوطن، ثم نخرج أطفالاً صغارا، فيضمنا البيت مع بقية الأسرة في وطناً أحن وأوسع.. ثم نلتقي بالأحبة والأصدقاء في الحي الذي هو ماعون شامل لمجتمع من كافة الطوائف والقبائل المختلفة، فيتمرحل معنا الوطن كلما احتجنا لاحتوائه. وتحزنني كثيراً عبارات شائعة حد الألم ومتداوله بكثافة في حق هذا الوطن الجميل، يرددها شبابنا وكبارنا عقوقاً فاجراً في حق أمنا الرؤوم، كلما هبت عليهم رياح الإحباطات المريرة تصل لحد السباب والشتائم في حضرة جلال تلك الأم التي هي وطننا، عبارات أصبحت شبه محفوظة مثل (دي بلد دي) و(البلد دي الواحد يطلع منها وما يرجع إلا في صندوق) و(ودا ما بلد الواحد يعيش فيها). بل يجحف البعض للأسف في حق الوطن بالقول (البلد دي تافهة ياخ)، أنها لعمري عبارات قاسية ومؤلمة لا يرضاها وطني غيور على وطنه.. نحن كل يوم نحرر شهادة وفاة لوطنيتنا مع قدوم كل طفل لنرضعه كراهية الوطن والسخط على ترابه العزيز، كأنما الوطن مسؤولاً، عما يحدث لنا من فشل في كافة المناحي السياسية والاقتصادية التعليمية، ناسياً ومتناسياً أنه عبارة عن تراب ونيل وزرع وضرع، لا علاقة له بالإحباطات والمرارات آنفة الذكر التي هي من صنع مواطن هذا الوطن الذي بات (يعلق على شماعة الوطن) اسقاطاته. كل الشعوب بطبيعة حالها تحب أوطانها، وتتجنب بل وتضع عقوبات تصل لحد النفي في حالة الاساءة، يتفقون في حب الوطن مهما اختلفت أحزابهم وقبائلهم وأالسنتهم لا يفوت على مراقب حجم الفشل المصاحب للمواطن في شتى المجالات قيد أنملة، لكن هذا لا بجعلنا نوصم بصمة الكراهية تجاه من احتوانا وأعطانا بسخاء دون منٍ ولا أذى، فهو جميل زاخر، يضم ذلك الجد الحبيب النيل بتوأمه الأزرق والأبيض، جامعاً بين شاطئه أحفاده من المدن المتراصة على مصفوفة خطها التاريخ لأجيال يتندرون بقصصه الجميلة البطولية ومساحات سكنية واسعة ومزروعة بالصمغ العربي..الكركدي.. القطن.. بجانب ثروة حيوانية صخمه من الإبل والماعز الخ.. والموارد غير البترولية مثل الذهب اليورانيوم، والسؤال الذي يطل برأسه ماذا نريد بعد كل هذا.. عيبنا كشعب أننا لم نستفد من هذه الهبات، كما يجب علينا أن نرفع شعار الوطنية عالياً فوق هامات فشلنا المصنوع رهطاً من الزمان، وعلينا تغيير عبارات الكراهية والسخط الى حب ورضا بالعيش وسط القبيلة والأهل الذين هم أصل الوطن. سوسنة بلادي وإن جارت عليّ عزيزة وأهلي وإن ضنوا عليّ كرام