طالب د. الصادق الهادي المهدي مستشار رئيس الجمهورية، رئيس حزب الأمة «القيادة الجماعية» بضرورة تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة بمشاركة كافة الأحزاب المعارضة لمواجهة التحديات التي تمر بها البلاد، وأكد الصادق على أهمية تماسك الجبهة الداخلية وعدم التصعيد في هذه المرحلة، مشيراً إلى أن ظروف البلاد لا تحتمل مزيداً من الخلافات في ظل التحديات التي تحيط بالوطن. وأوضح الهادي في الحوار الذي أجرته معه «آخر لحظة» موقف حزبه من قضايا البلاد بصورة عامة، وقضية وحدة حزب الأمة على وجه الخصوص فمعاً لنتابع ما دار في هذا الحوار.. الدكتور الصادق الهادي ما هي الدوافع والأسباب التي دفعت بكم للمشاركة في حكومة البرنامج الوطني في العام 2002؟ - أولاً قبل الإجابة على هذا السؤال لابد أن أشير إلى أن حزب الأمة «القيادة الجماعية» امتداد لحركة الإصلاح والتجديد التي ظهرت في يوليو 2002، نتيجة الاضطراب الذي لحق بحزب الأمة وقتها، وانضمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة لحزب «يهتدون».. أما بالنسبة للسؤال عن مشاركة حزبنا في السلطة، فهناك أسباب كثيرة دفعت بنا للمشاركة، أولاً كنا نرى أنه لابد من إيجاد آلية للتغيير في السودان، وكانت الجهود المبذولة لتحقيق السلام والتحول الديمقراطي من أهم بواعث خارطة الحزب للتحول من المعارضة للمشاركة في السلطة، لذلك كنا من أوائل الذين باركوا «نيفاشا».. ثانياً من أسباب المشاركة أن المؤتمر الوطني كان يقبل بوجود الأحزاب الأخرى، ووافق بصناديق الاقتراع كوسيلة لتبادل السلطة، الشيء الذي كان لا يوجد في فترة الاتحاد الاشتراكي الذي كان لا يوافق بوجود أحزاب غيره، والقيادات التي شاركت في السلطة آنذاك انضمت لعضوية الحزب الحاكم. ما هو تقييمكم للمشاركة؟ - افتكر بصورة عامة هناك تغيير بعد تلك المشاركة ومشاركة القوى السياسية الأخرى.. وبعد مشاركة الحركة الشعبية في السلطة زادت الحريات عبر المنابر وأُنشئت مفوضية قومية للدستور شاركت فيها كل الأحزاب، وجاءت بعد ذلك الانتخابات.. لذا نحن مشاركتنا كقوى سياسية استطاعت أن تُحدث تغييراً حقيقياً في الساحة السياسية، ولكن حتى نكون موضوعيين فالتجربة مع الوطني بها بعض الشوائب، أهمها ضعف الحوار وضمور قنوات التواصل السياسي والتي نتج عنها ضعف المشاركة في اتخاذ القرار، وهذه واحدة من المشاكل الأساسية بالرغم من أن المشاركة في الأيام الأولى كانت أفضل على المستوى التنفيذي والسياسي في المركز والولايات في مرحلة ما قبل الانتخابات، ولكن عقب الانتخابات وبالرغم من خطورة المرحلة التي تمر بها البلاد إلا أن تشكيل الحكومة جاء ضعيفاً من القوى السياسية عدا الوطني وبدأ كأنه خصم على الشراكة السياسية. مقاطعة: ما هو موقف حزبكم تجاه قضايا البلاد؟ - نحن وضعنا خطة سياسية للمرحلة المقبلة، وموقفنا من قضايا السيادة والوحدة الوطنية والسلام موقف ثابت غير قابل للتبديل والمناورة، ولكن نحن نرى أن الحكومة عقب الانتخابات سارت في اتجاه الثنائية المفرطة بين الوطني والحركة.. وفي رأينا وحتى الآن نحن نطالب بتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة بمشاركة كافة أحزاب المعارضة لمواجهة المرحلة الفاصلة من تاريخ البلاد في إدارة العملية السياسية على ضوء مسألة الاستفتاء، لأن هذه الخطوة ستؤدي إلى قبول واسع لنتائج الاستفتاء. مقاطعة- ولكن سيد الصادق الأحزاب المعارضة رفضت مشاركة ا لوطني حتى لا يقع على عاتقها مسؤولية انفصال الجنوب حال حدوثه؟ - للأسف الأحزاب تتعامل مع هذه القضية بطريقة الكيد السياسي وتريد تحميل المؤتمر الوطني مسؤولية الانفصال، ولا تريد أن تشارك في عدم حدوثه.. فيجب على القوى السياسية أن لا تتعامل بالمردود الكيدي السياسي وتنظر إلى السودان دون النظر إلى تعامل الوطني مع الأحزاب الأخرى، كذلك لابد من ضرورة تماسك الجبهة الداخلية في ظل ما تمر به البلاد، لا سيما وأن الظرف الحالي لا يحتمل زيادة حدة المواجهات في ظل التحديات الخارجية.. فالسودان لا يحتمل أي رفع جديد للسلاح من أي جهة أخرى، يكفي ما يحدث في دارفور، خاصة وأن المعارضة المسلحة لم تؤت أُكلها. ولكن البعض يرى أن انتزاع الحقوق من الحزب الحاكم للمشاركة في السلطة، وللعدالة في التنمية لا يتم إلا بعد رفع السلاح؟ - قد يبدو أن المؤتمر الوطني لا يريد أن يفك كل مفاصل الحكم من يده إلى القوى السياسية، ولكن الحكمة تقتضي تماسك الجبهة الداخلية في مواجهة التحديات، وكذلك يجب على قيادات الوطني توحيد هذه الجبهة من خلال إشراك القوى السياسية في إدارة البلاد سياسياً وتنفيذياً. بعض الأحزاب السياسية رفضت خوض الانتخابات الأخيرة بحجة أنها لن تكون حرة ونزيهة، فكيف ترون انسحاب هذه الأحزاب من خوض الانتخابات؟ - القوى السياسية لم تكن مستعدة لخوض الانتخابات، وذلك لغيابها عن السلطة (20) عاماً، مما أضعفها مادياً بالإضافة إلى أن شريكي الحكم لم ينفذا قانون الأحزاب وقانون الانتخابات الذي به نصوص لدعم الأحزاب السياسية مادياً، وبعض الأحزاب خافت الهزيمة وانسحبت، وبعضها لم تكن مستعدة تنظيمياً ومالياً. لماذا فشل تحالف جوبا في الاتفاق على مرشح واحد لخوض الانتخابات؟ - أحزاب تحالف جوبا لا يوجد قاسم مشترك بينها سوى إسقاط الوطني عبر الانتخابات أو بأي وسيلة أخرى، لذلك كانت لا تستطيع أن تتفق على مرشح واحد.. والحركة استخدمت القوى السياسية في الشمال مطية لفترة زمنية محددة، ووجهت لها أول ضربة بسحب مرشحها للرئاسة ياسر عرمان، ووضح تماماً أن الحركة كانت تريد الوصول إلى مرحلة الاستفتاء والصقور داخل الحركة نجحوا في ذلك وتعاملوا بذكاء مع هذا الملف. ما هو حل قضية «أبيي» من وجهة نظركم في حال الوحدة أو الانفصال؟ - أبيي مشكلة كبيرة وقنبلة موقوتة، وبالتحليل القبول بلجنة الخبراء في أفريقيا كان خطأً كبيراً، ووضح انحيازهم للحركة الشعبية بعد تحويل القضية لمحكمة التحكيم الدولية في لاهاي، والتي أعادت كيلو مترات كثيرة للشمال، وهذه القضية تأزمت بسبب دخول المسيرية، فهذه المنطقة في حال حدوث الانفصال يجب أن تكون وحدة اقتصادية وتكاملية لأن المسيرية لن يقبلوا إذا آلت أبيي للدينكا والعكس، بالإضافة إلى أنها إذا أصبحت وحدة اقتصادية وتكاملية تعطي بارقة أمل لعودة وحدة السودان. دكتور الصادق ماذا عن وحدة حزب الأمة؟ - فيما يتعلق بوحدة الحزب، مبدأ الوحدة هدف إستراتيجي لنا ونعمل له بكل عقلانية ومستعدون للحوار من أجله بعيداً عن العواطف.. ولكن نقول إن التوافق في حزب واحد مع كافة أحزاب الأمة رهين لمستحقات الوحدة والتي تتطلب اتخاذ القرارات الصعبة في الرؤى السياسية والراهن التنظيمي، وافتكر أن هناك محاولات كثيرة تمت في الماضي لرأب الصدع داخل الحزب، ولكنها اصطدمت بعقبات كثيرة، ولا يمكن أن تزول هذه العقبات إلا إذا صدقت النوايا للوحدة. وما هي هذه العقبات؟ - أولى هذه العقبات عدم اتفاق الرؤية السياسية في آليات حل المشكلة السودانية وعدم الاتفاق حول الشكل التنظيمي لحزب الأمة، لأن كثيراً من القيادات الذين خرجوا من حزب الأمة القومي لهم رأي سالب في الشكل التنظيمي داخل الحزب وطريقة إدارته، ولكن كل هذه المشاكل مقدور عليها إذا صدقت النوايا. مقاطعة: إلى أي مدى وصل الحوار لوحدة حزب الأمة؟ - الحوار تقدم كثيراً في كثير من القضايا، ولكنه اصطدم بعدم تفويض اللجنة المكلفة من حزب الأمة القومي بحسم القضايا المهمة. السيد الصادق يقال إن الخلاف الذي يدور داخل حزب الأمة نتيجة صراع أجيال؟ - صراع الأجيال موجود في كل مجال، ولكن الخلافات داخل حزب الأمة خلافات موضوعية. ما رأيكم في تجربة الديمقراطية الثالثة؟ - هذه التجربة فاشلة بكل المقاييس، لذلك كان لابد من وقفة لإعادة ترتيب الأوراق، وعندما كنت خارج البلاد توافقنا مع الإخوة الإصلاحيين بأن المخرج في ثورة الإصلاح والتجديد والتي كانت تريد سحب البساط من الصقور داخل حزب الأمة.. وأعود وأقول لك إن الخلاف في ذلك الحين كان خلافاً تنظيمياً، حيث كانت هناك مجموعة متشددة ترفض المشاركة وهذه هي التي انحاز إليها الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، فالديموقراطية الثالثة قدم فيها ثمن باهظ، لذلك لا يمكن أن تكون مخرجاتها هكذا وكنا نود أن ينحاز المهدي للمجموعه المشاركة. في ختام هذا اللقاء ماذا تقول؟ - أشكر صحيفة «آخر لحظة» على هذه السانحة، وأود أن اؤكد على ضرورة تماسك الجبهة الداخلية لمواجهة التحديات الخارجية، والتي تتمثل في قضية دارفور والجنائية بجانب قضية الوحدة والانفصال.