الفساد اليوم يقف فاغراً فاه أمام محاولات الدولة لجذب الاستثمارات مما جعلها تذهب أدراج الرياح، فالفساد قد أغرى الكثيرين بالابتعاد عن الإنتاج والتحول إلي أنشطة ذات ربح سريع، كما أن الفساد من الناحية السياسية لم يساعد في الحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي واستقراره، فالاستقرار السياسي هو الشرط لتحقيق أي نهضة اقتصادية مأمولة، كما أن الفساد قلل من العدالة في توزيع الدخل القومي طالما أن المنتوج الاقتصادي لم يوزع بعدالة وكان من ثمار ثقافته عدم تغيير اللوائح والقواعد القانونية العادلة مما أضعف ثقة المواطن في الحكومة ومن سلطتها الأخلاقية، وبالتالي أفضت إلى تكلفة اقتصادية باهظة، حيث ازدادت البروقراطية الحكومية، وهروب رأس المال الوطني والأجنبي، إضعاف كلي للنظام، وتقليل الفرص في الحصول على القروض العربية والأجنبية التي تستخدم في مشروعات استثمارية غايتها إثراء السياسيين الفاسدين. وما نخلص إليه أن دعوة الرئيس لمحاربة الفساد لا تأتي بنتائج إيجابية دون الاعتراف بوجوده وتمدده السالب في مختلف الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتكون المعالجة على النحو التالي: 1/ الاعتراف أولاً بوجود الفساد وخطورته، وأن محاربته ليست أمراً مستقلاً عن إصلاح الدولة، وذلك من خلال موجهات سياسية ودستورية وآليات قانونية شفافة (بابتداع قانوني من أين لك هذا، والثراء الحرام تعديلات القانون الحالي). إن محاربة الفساد وإصلاح الدولة وجهان لعملة واحدة، مراجعة سياسة التحرير وإنهاء ظاهرة ازدواجية إيرادات الدولة ووقف انهيار سعر الدولار بسبب المضاربات وغلاء الأسعار والتأثير في عدالة توزيع الثروة والدخل القومي في ظهور مافيات التحالف بين شاغلي الوظائف الدستورية وسماسرة السوق في مجالات الأراضي الزراعية والسكنية وتصاديق الاستثمار، مما يصب في مصلحة المواطن والوطن لتحقيق فتح الأسواق الداخلية، والتركيز على الإنتاج الزراعي لإنعاش الصادر من خلال تخيفض كل الرسوم والجبايات غيرالمقبولة، إصلاح الاختلالات في المالية العامة، تغيير جذري في إدارة الموازنة العامة، تفعيل جباية الضرائب بإلغاء الإعفاء لكل الشركات الحكومية وغير الحكومية..الخ. ويعد التحول الديمقراطي أهم وسيلة لمحاربة الفساد وبدونه هو انعدام وضعف الضوابط والإجراءات الرقابية التي يمارسها المواطن عن طريق الصحافة والإعلام، وما هو معلوم أن الدول الشمولية التي تسيطر على جميع القرارات الاقتصادية، تكون فيها معدلات الفساد يفوق كل تصور. إن محاربة الفساد تستلزم أن يكون للإعلام دور محوري بنشر الوعي لدى المواطن بأن الفساد هو العائق الأساسي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأخيراً أن تبني كل القيادات السياسية، نواب البرلمان، الصحافة والإعلام، أجندة مكافحة الفساد ضمن مبادئ المسؤولية التاريخية والشفافية والنزاهة، وأن الفساد هو أشد معوقات التنمية باختلافها، وأصبح بما لا يدع مجالاً للشك، أحد أهم معاول الأزمة الوطنية الشاملة.