٭ وتمخر البارجة.. بل اسطول الجهاز المركزي للإحصاء عباب ماء «آخر لحظة» وتهدر محركاتها الهائلة.. وعلى «الدفة» كل قباطنة متقاعدي جهاز الإحصاء، وتشق البارجة أمواج البحر متجهة الى شرفة تاريخ السودان، حيث راية منسوجة من شموخ النساء وكبرياء الرجال.. ٭ وقبل أن نبدأ وصف الرحلة.. بل الاستمتاع حد الطرب والفخر والتيه والزهو البديع.. وقبل أن يتساقط علينا مطر الأمل من ورقات ثلاث يتلوها في مهارة كل قبطان من هؤلاء الفرسان، نكاد نسمع وقع كلماتهم ومن خلفها موسيقى تليق بالمقام ويليق بها المقام.. واسماعيل عبد المعين يقود فرقته الماسية فرقة «البساتين» وهم ينشدون في فخر للوطن... بلادنا جميلة فتانا وعليها يزيد تفانينا مناظر ازهارها وشواطينا وأفانينا نعيش ونعيش ونتبحبح وتتحقق أمانينا فما اخترنا سوى العليا لا يوماً تصدينا لغير المجد للسودان ولا لسواه حبينا.. وصدقت يا اسماعيل وكأنك تتحدث بلسان هولاء الرجال الشرفاء النبلاء الذين حملوا الوطن معهم، وحملوا كل حرف و«فايل» و«دوسيه» محفوراً في تجاويف صدورهم حملوه معهم بعد أن وهبوا «الجهاز» كل زهور أمامهم ما نسوه لحظة ولا تناسوه لمحة، وكذا يكون النبل وكذا يكون الوفاء للوطن، وكذا يكون الولاء للمصلحة التي تزيد أواصر الصلات بها منعة وصلابة حتى بعد مغادرتها بحكم أمر التقاعد.. ٭ وما زال الوابل من الحديث ينهمر والمتحدثون من الأحبة المتقاعدين أسخى سحبه.. وما زال صوتهم يجلجل ورهانهم يسطع على تقدم الوطن، بل كيف يكون الوطن كقطعة هبطت من الجنة اذا التزم صناع القرار من مسؤولين وتنفيذيين ومخططين «رموا» كل «أساس» مشاريعهم وفقاً لكل إحصاء قامت به «الإحصاء».. ٭ كان يوماً للفرح.. الفرح بأن هناك فئة من الناس يشتعل حبهم للمؤسسة التي كانوا يعملون بها.. يشتعل بعد أن يتقاعدوا بأحكام المعاش.. ٭ كان يوماً للفرح وهؤلاء المتقاعدون ولمدى ثلاث ساعات كاملة لم يتحدثوا ولو بحرف واحد عن مطالب شخصية تخصهم.. وقبل الختام ختام الندوة فقد أدهشتنا الأستاذة «منال فضل» مدير إدارة التقييم والتحفيز بالجهاز المركزي للإحصاء.. وبالمناسبة فقد كانت هي الوحيدة التي ما زالت تعمل بالجهاز.. فقد نهضت بقامتها الفارعة وهي تحتشد معلومات وتضاء منها مشاعل العرفان.. وقبل أن تجيب على طوفان الأسئلة التي أنفجرت من الحضور قبل أن تجيب، فقد نثرت باقات ملونة وتلت قصائد مترفة عبارة عن كلمات فيض من حب الى المؤسسة التي تعمل بها وهي الجهاز المركزي للإحصاء.. ٭ وأخيراً لا أجد من أخاطبه غير السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية، وله أقول إنك قد وعدت الوطن بإصلاح الدولة.. وأرى أن كل مفاتيح إصلاح الدولة هي في خزائن وملفات وبحوث وأوراق الجهاز المركزي للإحصاء.. وإن كانت لي أمنية هي أن يلتحق الجهاز المركزي للاحصاء برئاسة الجمهورية، وإن تعذر ذلك نرجو التوجيه لمجلس الوزراء بتوفير كل الممكن وبعض المستحيل لهذا الجهاز، من مباني تليق به ومن سيارات تساهم في الإنجاز، وأعلم سيدي إن شمس السودان ستشرق من الجهاز المركزي للإحصاء.