لا أقصد بالعنوان أعلاه كيف يبتديء شعراء الجاهلية قصائدهم ومعلقاتهم العصماء كنهج متعارف عليه في الشعر القديم..! إنما المقصود «كيف تتحجر مشاعرنا... وتخرس أصواتنا... فنغتال بصمتنا توهج التقدير والعرفان لنفرٍ عزيز نحبهم وندرك مدى عظمتهم ومكانتهم ونحصي بدقة ما قدموه(فال وعديلة للوطن)... حتى اللحظة التي ينعى فيها الناعي... أحدهم.. وما أن ينفض سامر المشيعين حتى تتبارى كل الجهات.. الجماعات والمنتديات في الإعلان عن.... «حفل تأبين فلان... يشارك في الحفل زيد وعمر من الناس...» عجباً لهؤلاء أي حفل هذا؟... وأي كلمات فخيمة... وتقدير بليغ.. لمن لا يسمعكم أو يحسكم اليوم...؟ ألم تعرفوا بربكم قدر هذا الشخص ومكانته إلا بعد أن أبت روحه الشفيفة البقاء في دنياكم المليئة بالزيف والخداع... التكبر... ومنع المشاعر... وإعطاء الحقوق لأهلها وهم أحياء..! هل استكثرتم عليهم.. رد الجميل... والشعور بالامتنان... وبضع لحظات من الساعة تساوي كل ما فعلوه لأجلكم..! إن كل إنسان في الدنيا ينتظر التقدير وتثمين إنجازاته فتلك فطرة.. البشر..! يصيبني العجب كل العجب من عناوين بارزة بعد وفاة الشخص وانتقاله إلى عالم آخر... لا شأن له بعوالمكم تلك... «الدولة تكرم فلان وتمنحه وسام كذا.. لأنه فعل كذا وكذا؟! الجهة الفلانية تقيم حفل كبير بمناسبة مرور الذكرى الأربعينية لخالد الذكر.. علان! فما الفائدة المرجوة التي سيجنيها هؤلاء الأموات من تكريمهم، وسرد مآثرهم.. والتغني برائع صفاتهم، وجليل أعمالهم.. بعد أن ماتوا والغصة في حلوقهم، والعبر والاحباط رفيقهم... بعد أن بذلوا ما بذلوا دون أن يلتفت إليهم أحد... وكأنهم تذكروا كل ذلك بعد أن انقطع هذا الشخص عن الدنيا... إن الموت لا ينتظر لنحقق كل ما نرجو... فإذا عزمت فتوكل.. وإلا فدع..! إن الإكرام.. هنا إنما يكون لورثتهم الأحياء.. جبراً للخواطر وترميماً لهدم قيم الرجاء والأمل التي دفنت مع هؤلاء الذين غادروا هذه الفانية بأناسها الجاحدين... الذين يجيدون أكثر ما يجيدون...(الشكر يوم الشكر)... لمن لا يسمعه...! إن صمت المشاعر وقبرها في الأعماق عند الضرورة يفقدها قيمتها وأهميتها إذا أعلنت بعد فوات الأوان...! فماذا سيجني الأموات من كل ذلك... وهل تفيد كل الدنيا بما فيها.. إذا وضعتموها في قبره... بعدما بخلتم عليه بكلمة طيبة أو نظرة شكر... كان يحتاجها فضننتم بها عليه... إن الميت المقهور يا سادة... لا يحتاج لشهادتكم إلا في الدنيا مما يجلب له السعادة والامتنان ويديم المعروف والود بين الناس أو لحظة التشييع والصلاة والدعاء على الميت فالناس شهود على بعضها.. والملائكة تؤمن على ما يقولون...! اتركوا حفلات التكريم والتأبين... وأجمعوا الأموال لعمل يستفيد به ورثته الأحياء... أو اصرفوها في أعمال الخير التي تعود عليه بالنفع.. في قبره...! ü زاوية أخيرة لا مقتضى للتكريم بعد الموت.. كرموا من يستحق وهو حي... واجعلوه قدوة للعمل والإنجاز.. وأتركوا المزامير والألحان والتي لا يسمعها سوى الأحياء.. فما أنت بمسمع من في القبور..!!