الأرض خلقها الله عز وجل لتنبت من بصلها وفومها وعدسها، أي أن تخرج من باطنها الخيرات للإنسان والحيوان، لكي تكون غذاءه ونماءه، والإنسان أوجده الخالق جلت قدرته لإعمارها، و الإعمار يتم عبر صيانة الأرض عزقها وغرس الحب بداخلها ليخرج خيراً عميماً لكل المخلوقات، فالإنسان والحيوان والطير يأكل مما تخرج الأرض من باطنها، فالأرض لا تموت، لا تشيخ لأن الله خالقها جعلها معطاءة إلى قيام الساعة. ونحن في السودان الحبيب حبانا الله عز وجل بنعمة الأرض الولود المعطاءة التي تهب الخيرات (بمشيئة الله) من كل صنف ولون تمتد بمساحات شاسعة يمكن أن تكفي غذاء محيطنا العربي بكامله، فقط تحتاج إلى من يعمل ويكد ويكدح، ومن مبشرات أن الأرض لا تموت وتظل على الدوام تعطي بوفرة ما شهدناه من إنتاج هذا العام بمشروع الجزيرة المعطاء من محصولات تم زرعها، وجنى الزراع ثمارها، وجاء الإنتاج طيباً للغاية، فقد أعطت الأرض (بفضل الله) وما بخلت، جادت وما فتئت من عدس وفول وذرة وقمح وبعض الأصناف الأخرى، وكان الإنتاج من كل المحاصيل التي ذكرت وفيراً مبشراً بصورة تؤكد أن الأرض لا تزال بخير، تسبح بحمد الله رغم الإهمال الذي طال مشروع الجزيرة لسنوات لتبقى الفوضى التي عمت المشروع عندما ترك الحبل على القارب ليزرع الناس كيفما اتفق وفي أي وقت حتى وصل الأمر أن تزرع المساحة خاصة المزارع مرتين وثلاث، أي بعد حصاد محصول يزرع محصول آخر، وهذا فيه عدم راحة للأرض وهو بالطبع أمر لم يحدث إبان وجود الإدارة، والقوانين والنظم حاضرة، وهذا ما زرع في أذهان الكثيرين أن تلك الفوضى أدت إلى موت الأرض، وبالتالي عدم قدرتها على الإنتاج مستقبلاً. غير أن التدني الذي لازم الإنتاج داخل مشروع الجزيرة لسنوات كانت أسبابه معلومة لدى الجميع، حيث تمثل في غياب الإدارة واختلال موازين كثيرة مثل عدم وفرة الماء، وساعد أيضاً شح معدل الأمطار لسنوات عديدة في انعدام التمويل الكافي، تلك العوامل مجتمعة كان لها أثرها في تراجع إنتاج الأرض، وتراخي همة المزارع، لكن عندما تدفقت مياه الري بوفرة، وسرت بالقنوات والجداول مع هطول الأمطار، ووفرة السماد، بعد كل هذا جاء الإنتاج وفيراً بمعدل ممتاز لجميع المحاصيل، وهذا النجاح الذي يشهده المشروع لغزارة الإنتاج يؤكد أن الأرض لا تزال بخير، وأن شبابها قد تجدد، وأنها لا تموت، فقط الإنسان هو الذي يهملها بعجزه وتقاعسه، والعجز والتقاعس سببه عدم وجود الإدارة وغيابها الذي أدى إلى نقصان الماء من المصدر وقت الحاجة. إن هذا الموسم أكد على أن المسألة ما هي إلا عدم تموين وتمويل، وفي هذا العام كان البنك الزراعي حاضراً بجميع فروعه بولاية الجزيرة المعطاءة، حيث قام – أي البنك الزراعي – بتمويل المزارعين بسخاء غير مسبوق، الأمر الذي جعل الإقبال يتزايد عليه يومياً، وأصبح البنك الزراعي موجوداً على لسان كل مزارع، حيث أمكن كل من ذهب إليه أن يجد حاجته من التمويل المتمثل في السماد والتقاوى، وهذا أدى إلى زيادة المساحة المزروعة قمحاً في الجزيرة هذا العام، فكانت لوقفة البنك الزراعي وتمويله اللا محدود أثره في نجاح الموسم الزراعي خصوصاً محصول القمح الذي أخذ جرعاته كاملة، وجاء الإنتاج عامراً ومفرحاً وله أثره الاقتصادي على الدولة والزراع، حيث بلغت الإنتاجية حد الوفرة للمزارع، وفي ذلك ضمان لسداد ما عليه مع حصوله على فائض مجزٍ لتحسين الأوضاع.. وفي هذا تنشيط لهمة المزارع وتحفيزه للاستعداد للموسم المقبل بمشيئة الله بهمة عالية ونفس مطمئنة. إن الجزيرة المعطاءة دوماً بخير وهذا الموسم أكد لنا ذلك، وإن مزارعيها على استعداد أن يوفروا المحاصيل بجميع أصنافها حتى لا نذهب إلى دول أخرى لكي نستورد منها قوتنا، فقط ادعموهم ووفروا لهم معينات الإنتاج ومن ثم سوف تشهد الدولة بكاملها وفرة المحاصيل وبالتالي الاستفادة من العملة الصعبة التي كانت تذهب لاستيراد القمح والدقيق (شينة والله)، فنحن الذين يجب أن نصدر جميع المحاصيل، نحن الذين يعول علينا إخوتنا العرب في اكتفائهم الذاتي من الغذاء، فالأرض كما أسلفت ولود والإنسان قادر على غرسها وإخراج ما بباطنها (بإذن الله)، ومن ثم تنشرح الصدور وتعتدل الأمور ونكون بذلك في مصاف الدول المتقدمة بما حبانا الله جلت قدرته من نعمة الأرض والماء واليد التي تعمل دون عناء. هناك إشارة استوقفتني والكثيرين في هذا الموسم تمثلت في غياب الحاصدات وقلة وجودها، حيث كان لذلك أثره السيئ على عملية الحصاد في مواعيد ممتازة لو توفرت، ويبدو أن إحجام أصحاب الحاصدات لهذا الموسم ناتج عن إفرازات المواسم السابقة التي تمثلت في محدودية المساحة المزروعة قمحاً، وفوق ذلك تدني الإنتاج لعوامل كثيرة ذكرنا بعضها. إنني وأهلي في الجزيرة جد فرحون لما حصدناه من إنتاج لهذا الموسم الذي أكد أن الجزيرة والسودان على وعد مع قدوم الخير لهم ولسواهم (بإذن الله)، فقط على المسؤولين بالدولة والمشروع أن يحكموا ضمائرهم ويلتفتوا إلى مشروع الجزيرة وغيره من المشاريع في وطننا الحبيب، فإننا دولة يمكن أن تغذي العالم وهو مقبل على فجوات غذائية ناتجة عن تنامي عدد السكان وقلة وانعدام منتوجات الزراعة والغذاء. إذن الغذاء هو مطلب الشعوب قريباً جداً، ونحن لدينا ثروة يمكن أن نحكم بها العالم ونصبح - بإذن الله - من أغنياء الأرض. عاش السودان حراً قوياً أبياً.. ودمتِ للسودان يا أرض الجزيرة.