كل السيناريوهات المطروحة على الساحة السياسية السودانية على صعيد الجنوب، تتجه نحو احتمالية ونوع الانفصال كخيار يشجعه عدد من الساسة الجنوبيين ويحاولون بكل قدراتهم قيادة الرأي العام الجنوبي إلى السير نحو الانفصال، وتكوين دولة بالجنوب خالصة للعرقية الجنوبية.. هذه الفئة من الساسة لا تفكر إطلاقاً ولو بنسبة قليلة في أية تداعيات يمكن أن تأتي بها نتيجة ما يدعون إليه.. لكن العقلاء وأصحاب التجربة يدركون أنه لم يأتِ الوقت بعد لانفصال الجنوب عن الشمال، وهذا الاتجاه يضع في الحسبان أن عناصر تكوين الدولة لم تكتمل بعد لميلاد دولة مستقلة يمكن أن تكون عضواً ضمن المنظومة العالمية. نعم إن اتفاق نيفاشا وضع الاستفتاء كعملية مهمة لتحديد مصير الجنوبيين في تكوين هوية منفصلة عن الشمال حسب رغبة الجنوبيين لتأييد الانفصال أو البقاء ضمن مظلة السودان الواحد مع الشمال.. لكن الضغوط الأجنبية وأطماع الدول ذات النفوذ تنظر لمصالحها وأطماعها التي تتمثل في الاستحواذ والهيمنة على مناطق الثروات والموارد الطبيعية، وللوصول إلى غاياتها تقوم باستقطاب بعض الساسة لتنفيذ مخططاتها وخططها للسيطرة على هذه الثروات واستغلالها.. ثم إن هناك صراع الدول الكبرى في السيطرة على منابع النفط في بلدان العالم الثالث، خاصة في قارة أفريقيا.. هذه النظرة تشكل هدفاً أساسياً لتشجيع الاتجاه نحو خلق حالة من عدم الاستقرار السياسي لتطويع الدول التي تمتلك وتزخر بالثروات الطبيعية. حالة جنوب السودان تعتبر محط أنظار المطامع الدولية، خاصة الولاياتالمتحدة التي تشجع فكرة خلق دولة جنوب السودان.. لعدة أسباب، الرئيسي منها لتضمن أمريكا تواجداً دائماً في منطقة القرن الأفريقي عبر فتح مكاتب تخدم مصالحها تحت أي مسمى، لذا فالموقف الأمريكي من مسألة تكوين دولة في جنوب السودان تعكسه رحلات الباقان السياسي الجنوبي إلى أمريكا، وتصريحاته النارية التي تقول إنه ذهب لأعضاء مجلس الأمن وأيدوا الفكرة، وأنهم وعدوه بأن مجلس الأمن يبارك الانفصال، وأن أمريكا أول من تعترف بالدولة الوليدة في جنوب السودان. فكرة الانفصال أصبحت الآن الشغل الشاغل للمواطن الجنوبي وكافة قطاعات الرأي العام الجنوبي، وتنامت الفكرة وبدأت تأخذ حيزاً كبيراً في عقول الجنوبيين.. الفكرة جاذبة وخلق الدولة والاستقلالية ترواد الساسة الجنوبيين منذ فترة طويلة، لكن مجريات الأحداث والتطورات السياسية تجعل العقلاء من الجنوبيين يفكرون بهدوء وبدون تسرع والاندفاع نحو الانفصال، ويرون تأجيل الفكرة لما بعد إرساء مقومات الدولة. الباقان السياسي الجنوبي الذي يجاهر بالانفصال وبصوت مسموع، وهذا يعتبر قمة الشجاعة السياسية.. في حين أن زملاءه السياسيين الفكرة مختمرة في عقولهم، ولكن يعبرون عنها في مواقف معينة.. وفي كثير من الأحيان تكشفهم تعابير وقسمات وجوههم.. الباقان يخطيء كثيراً إذا ظن أن انفصال الجنوب سيفرز دولة واحدة تشمل ولايات الجنوب المعروفة بالحدود الجغرافية الآن، فالتقسيم الجغرافي السياسي يقرأ أنه إذا بدأ مسلسل الانفصال في الجنوب، فلن يكون الجنوب دولة واحدة.. في اعتقادي واستقراءً لما يحدث مستقبلاً، فإن هناك احتمالاً يمكن أن يتبلور في واقع أن يكون في الجنوب دولتان.. الدولة الأولى: تأخذ منطقة جغرافية من ولاية بحر الغزال الكبرى وولاية الاستوائية التي تضم مدينة جوبا معالمها، لتعطي مفهوماً لتشكل دولة خاصة، ولا يشك أي سياسي ومخطط عمراني أن جوبا الأكثر تأهيلاً لحاضرة دولة منفصلة، فهذه المنطقة تضم قبائل متعددة. الدولة الثانية: أما في الجانب الآخر المنطقة التي تضم ولايتي جونقلي وأعالي النيل، والتي تضم قبائل النوير والشلك وقبائل أخرى، وهنا سيكون الموقف معقداً وصعباً للساسة الجنوبيين الذين ينتمون لهذه الرقعة الجغرافية، لأن الدولتين المتوقعتين حبيستا المخارج، وليست لهما أية مداخل على مياه بحرية. ولذا فالسؤال المطروح لدعاة الانفصال وخاصة للسياسي المثير للجدل الباقان صاحب الصوت العالي، لأي الدولتين سينضم الباقان.. وأي مركز أو موقع قيادي سيحتله في حالة إذا وقعت الواقعة، وأصبح وجود دولتين في الجنوب واقعاً؟ ولتفادي كل هذه التعقيدات، فإن الوحدة هي الخيار الأفضل وستظل.