انفصال الجنوب يهدف الى خلق دولة جديدة بجنوب السودان، ويعني أيضاً بانشطار السودان الدولة الواحدة الى دولتين منفصلتين، ودولة الجنوب الجديدة كما يريدها غلاة الانفصال.. تحرر الجنوب من سطوة الشمال وهيمنته.. شمال السودان وحكومة الخرطوم لهما رؤية أخرى وبكل قطاعاتها وقياداتها، فهي أبداً لم تدع للانفصال ولم تؤيده، ولها رؤية ثابتة في أن يظل السودان كما هو الدولة القوية بمقوماتها.. فالسودان الذي بدأ يخطو الى الأمام ليصبح أقوى دولة بافريقيا والعالم الثالث، وذلك باستقلال امكاناته وموارده وثرواته اللامحدودة، فدعوة الشمال للوحدة لم تأتِ من فراغ فهي تتبع قراءة جيدة للتاريخ والجغرافية وبحسابات دقيقة لظروف المنطقة، والسيناريوهات التي تدور في دائرة دول حوض النيل والجوار الافريقي الذي يحيط بالجنوب، علاوة على معرفة الشمال بحجم التآمر الخارجي والأطماع الصهيونية والغربية في هذه المنطقة بالذات.. تكوين دولة بجنوب السودان ليس بالأمر السهل، وأن الذين يتوهمون بأن الدولة الوليدة ستقف على أرجلها من أول وهلة يجهلون الواقع المعاش، ويقللون من شأن الوحدة، فهناك سنوات وسنوات حتى تستطيع أية دولة وليدة أن تأخذ مكانها في مصاف الدول، ولتكوين دولة أيضاً لابد من وجود متطلبات أساسية وأهمها الكادر المؤهل الذي بمقدوره أن يخطط لبناء مؤسسات الدولة المختلفة، هذا غير الحاجة الضرورية لارساء مفاصل الدولة وأعمدتها التي تتمثل في الجهات الأمنية، وتنزيل قوانين الخدمة العامة ودولاب العمل الحكومي، والعلاقات العامة والخارجية، واستغلال الموارد والثروات المتاحة، وبناء قاعدة مؤسسة من المشروعات القومية، ونشر السلام والأمن والاستقرار السياسي في الحيز الجغرافي، الذي يشكل معالم الدولة، الاستفتاء جاء بعد الكثير من الكبريات وعمليات الشد والجذب بين اجراء الاستفتاء في موعده المحدد، ويأتي بعد ذلك طبقاً لالتزام حكومة الخرطوم بتنفيذ آخر بند من بنود نيفاشا. الآن السودان بخير جنوبه وشماله وقد بدأ الاستفتاء أمس بتوجه كافة الجنوبيين بالداخل والخارج الى صناديق الاقتراع، لحسم مسألة مصيرية والادلاء بصوتهم بإرادة حرة، ومن غير ضغوط أو تخويف لتحديد مصير الجنوبيين، الوحدة مع الشمال أو الانفصال، وتكوين دولة خاصة بهم، والجميع على قناعة تامة بأن الصوت الغالب والعالي والمسموع هو الانفصال عن الشمال، ولكننا أيضاً ومع كل ذلك يأمل الشمال أن تحدث المعجزة، وأن تكون كفة الوحدة هي الرابحة، عموماً نقول إنه بعد ظهور نتائج الاستفتاء سيحدد المصير، فالشمال وحكومة الخرطوم ستتلقى النتيجة بكل صدر رحب وترحاب مهما كان الخيار، واحتراماً لإرادة الجنوبيين، وهنا سيتحول السودان الى مرحلة أخرى وستتغير ملامحه، فلكل دولة وسائلها وخططها المستقبلية وسترسم بناء على واقع التغيير المفروض فمشروع السودان الجديد الذي نادت به مؤسسة الحركة الشعبية الراحل د. قرنق سيظل مفهوماً راسخاً.