زيارة رئيس الجمهورية المشير البشير لدولة يوغندا التي امتد لساعات للمشاركة في حفل تنصيب نظيره يوري موسفيي لدورة رئاسية رابعة، تعد من الزيارات المهمة التي قام بها الرئيس البشير مؤخراً، الزيارة تقرأ أنها تأتي في إطار التوجه نحو الإقليم الافريقي وتأطير علاقاته، لاسيما في ظل التنافس الجيوسياسي نحو القارة السمراء، بجانب أنها تعتبر رداً لزيارة موسيفي للخرطوم قبل ست أشهر، (آخر لحظة) التقت بسفير السودان لدى يوغندا السفير سراج الدين حامد في الفترة من 2000- 2005 ) وتناولت معه عدداً من الملفات الساخنة المتعلقة بالعلاقات السودانية اليوغندية، وكيفية أن تسهم الزيارة في حل قضايا الاقليم الافريقي بصورة عامة، والعلاقات الثنائية بين الخرطوم وكمبالا بشكل خاص.. فالى مضابط الحوار حوار: أحلام الطيب *ماهي قراءتكم لزيارة البشير الى كمبالا؟ - لزيارة البشير الى يوغندا أهمية خاصة لأنها جاءت بعد انقطاع امتد لأكثر من (10) سنوات لم يزر فيها الرئيس يوغندا، وتأتي أيضاً في إطار رد الزيارة التي قام بها الرئيس اليوغندي يوري يوسفيني قبل ست أشهر، بالطبع نحن ندرك تماماً أن يوغندا دولة مهمة، وتقوم بأدوار محورية فيما يتعلق بأمن واستقرار منطقة البحيرات ومنطقة شرق افريقيا، كما أن لها إسهامات كبيرة في مجالات حفظ السلام والأمن في الصومال ومناطق أخرى.. وعلاقة السودان ويوغندا تأرجحت في الماضي بين التوتر والاستقرار، ولكن بعد انفصال دولة الجنوب نتوقع أن تنشأ العلاقات مع يوغندا في الفترة القادمة على أسس مختلفة عما كان عليه الأمر في الماضي. * كيف كان ينظر موسفيني للسودان ؟ - كثيراً ما عبر الرئيس يوري موسفيني أثناء فترة وجودي سفيراً للسودان بيوغندا عن رغبته في إيجاد علاقة صداقة وتقارب مع الرئيس البشير. *ماهي الأسباب التي كانت تحول دون إقامة علاقات طيبة بين الخرطوم وكمبالا عندما كنت سفيراً للسودان بيوغندا ؟ - كانت هنالك ظلال من الشك وبعض المشكلات على الحدود مثل مشكلة جيش الرب، والآن أصبح الحديث عن دور السودان فيه مساءلة غير متصورة لأنه أصبح هناك حاجز كبير بين يوغندا وبالتالي فإن الذين يروجون للفتن بين السودان ويوغندا لن يجدوا مادة جديدة لإثارة ما يعكر صفو علاقات البلدين. *هل كان السودان متورطاً فعلياً آنذاك في دعم جيش الرب؟ - هذه قصة طويلة وكانت للسودان علاقات قديمة مع جيش الرب قبل نيفاشا، ولكنها علاقة محدودة وبعد توقيع الاتفاقية قطع السودان علاقته تماماً مع جيش الرب، وهذا ما أدى في الحقيقية لتضاؤل دور ونشاط جيش الرب في شمال يوغندا. *هل هنالك جهات تسعى لتعكير صفو العلاقات بين البلدين؟ - نعم هنالك قوى تسعى دائماً لتعكير صفو العلاقات بين البلدين، لتجعل من يوغندا حاضنة للمعارضة والحركات المتمردة في دارفور والنيل الأزرق، وحتى تتمكن الجهات الأجنبية من مساعدة حركات التمرد، لابد أن تخلق لهم حاضنة اقليمية يستطيعوا الانطلاق منها، وإذا لم يجدوا حاضنة لما استطاعت هذه الحركات الاستمرار، وكانت يوغندا إحدى الحاضنات، وكان الجيش الشعبي لتحرير السودان مقيماً في يوغندا، والآن انشئت حاضنة جديدة هي دولة الجنوب التي تحتضن حركات التمرد والعدل والمساواة بجيشها وعتادها وسلاحها، وهذه مسائل تنتظر الحسم والحل. * هل أمريكا ضمن الدول التي تسعى لتعكير صفو العلاقات بين البلدين؟ - أمريكيا تحيط بالسودان، وهي متواجدة في جيبوتي ويوغندا، وظلت تنتهج سياسات معادية جداً للسودان تمثلت في تحطيم الاقتصاد السوداني عن طريق العقوبات هذه حقيقة، وهذا عمل عدائي لا يماثله سوى الحرب المباشرة، وحتى الحرب المباشرة والنهج المباشر في استخدام السلاح لضرب مصنع الشفاء 1998، امريكا لم تقصر في عدائها مع السودان، ولا استبعد أن يكون لها دور في تضييق الخناق على السودان، وفي مساعينا ندرك هذا ونأمل أن تحتكم أمريكا لصوت العقل. *هل ستفتح الزيارة آفاقاً جديدة للتعاون الثنائي ولحل المشاكل الاقليمية؟ - علاقات الخرطوم وكمبالا تطورت خلال تواجدي بيوغندا، وأصبح هناك نشاط اقتصادي، وكنا نستورد سمك العجل من يوغندا بكميات كبيرة، مما أدى لانخفاض أسعاره بالخرطوم، والفرص دائماً متاحة لاستيراد سلع من يوغندا، وتطورت العلاقات حتى فتحنا مكتباً للخطوط اليوغندية بالخرطوم، ولكن عجزت الخطوط الجوية السودانية عن الالتزام بالجدول المقرر وسقط المشروع. * الى أي مدى يمكن أن يسهم الرئيسان البشير وموسفيني في استقرار الجنوب؟ - دولة الجنوب تعتبر فضاء اقتصادياً ليوغندا، مما أدى الى انتعاش الاقتصاد اليوغندي فيما يتعلق بتجارة الحبوب والفاصوليا بأنواعها المختلفة (وهو الطعام الذي يفضله أهل الجنوب)، وأصبحت أسواق الجنوب وما تزال حتى الآن تعتمد الى حد كبير على السوق اليوغندي فيما يتعلق بالمنتجات اليوغندية، وحاولت يوغندا في فترة من الفترات أن تلعب دوراً في أن لا يعتمد الجنوب على المنتجات القادمة من السوق السوداني، لكن هذا الأمر فشل لتعود شعب الجنوب على البضائع السودانية ومنتجاتها، بالإضافة الى ذلك فإن ميناء بورتسودان يعد منفذاً بحرياً للجنوب أكثر من كينيا والتكلفة قد تكون عالية، ولذلك يمكن للسودان ويوغندا- إذا استقرت الأحوال بينهما- أن يلعبا دوراً كبيراً في استقرار دولة الجنوب. كيف يمكن أن يتحقق ذلك؟ - يتحقق بأن تنسحب يوغندا عسكرياً وبشكل تام من الجنوب، وأن تقيم جوبا علاقات مع الخرطوم، وفقاً للأسس الدولية المستقرة في العلاقات الثنائية بين الدول بأن تمتنع عن دعم القوات المعارضة، وتقديم الدعم للجيش الشعبي أمر غير مقبول ويعتبر تدخلا في شؤون الدول ولا يؤدي الى تحقيق سلام. * وزارة الخاراجية تسعى للتواجد في العمق الافريقي دبلوماسياً وسياسياً كمشاركة الرئيس الأخيرة في تنصيب الرئيس الجبيوتي والآن مع الرئيس اليوغندي؟ - نعم الدبلوماسية السودانية نجحت في إفشال مخطط امريكا الرامي الى لتضييق الخناق على السودان افريقياً من خلال الدول المجاورة له، وهذا مايعرف بخطة توني بلير منذ عام (1992) التي كانت تتمثل في إسقاط نظام الخرطوم عن طريق الدول المجاورة له، وهي ارتريا، اثيوبيا، مصر، وكينيا، وكان للدبلوماسية السودانية دور دفاعي في المرحلة السابقة، واستطاعت أن تسقط نظرية تونى بلير، الآن علاقات السودان بدول الجوار ممتازة وتتسم بالود، فهناك تحالف وشراكة وتعاون وتعتبر علاقات السودان مع تشادواثيوبيا علاقات نموذجية، والعلاقات عموماً جيدة باستثناء دول قليلة. *من خلال تواجدكم في يوغندا كيف تصف شخصية موسفيني؟ - موسفيني رجل متواضع جداً كنت ازوره باستمرار بمزرعته الخاصة في منطقة راكوتورا وهي تقع في مناطق وسط يوغندا وهي مزرعة كبيرة، وبها مباني جميلة يمتلك موسيفي فيها أكثر من (2800) رأس من الأبقار، وحتى الضيوف الذين يزورونه يضيفهم باللبن (الحليب) وهذه ثقافة يوغندية، وينصب في فناء بيته خيما كبيرة جداً، عادة تجد فيها أعداد كبيرة من المزارعين بل بالمئات، وفي أوقات فراغه يقوم بتبسيط قواعد الاقتصاد للمزارعين، يحدثهم مثلاً عن القيمة المضافة في البضائع، ويقنعهم بأن أفضل لهم أن يصدروا محصول (البن) معالجاً بدلاً عن خام، وقد حضرت إحدى محاضرات موسفيني وقد أُعجبت بالرجل وهو رجل مثقف، وهو الذي خلق وأوجد الطبقة الوسطى في يوغندا، ونحن نعلم أن يوغندا لم تكن بها طبقة وسطى، وكان هناك نظام اقطاعي ثم طبقة فقراء الآن.. وهذه الطبقة أصبحت ضامناً للاستقرار في يوغندا لأنهم هم الذين يدافعون عن الديمقراطية ويتشبثون بها، ويحرصون على العملية الانتخابية الدورية كأساس لتبادل السلطة بين القوى السياسية في المجتمع، وهو مؤسس دولة يوغندا الحديثة، ويوغندا دولة مؤسسات لا تستطيع أن تقول بغير ذلك، فالقضاء مستقل والاقتصاد يعمل عبر مؤسسات، والقرارات تُتخذ بمؤسسية، ووزارة الخارجية اليوغندية استطاعت أن تفتح وظائف للكفاءات اليوغندية في أكثر من دولة افريقية، في المؤسسات الدولية- الاتحاد الافريقي، البنك الدولي .