هكذا يبدو العنوان المناسب لقراءة التحركات السياسية والدبلوماسية بشقيها الرسمي والشعبي لأجل تذويب جليد الخلاف الذي ضرب علاقة الخرطوم بكمبالا سنين عددا، حتى تمخضت عن زيارة الرئيس اليوغندي للخرطوم التي قد تعلن زوال الخطر وتقاربٍ منتظر. وكانت التطورات على المشهد الإقليمي وخاصة الأزمة في دولة جنوب السودان قد ألقت بظلالها على هذه التحركات لتجسير هوة الخلافات بين حكومتي الخرطوم ويوغندا. حيث بدا أن تدهور الوضع في الدولة الوليدة وما ترتب عليه من فوضى وانعكاس ذلك على يوغندا أمنيا وسياسياً واقتصادياً، جعل الرئيس اليوغندي يوري موسفيني يعيد النظر في شكل التعامل مع حكومة الخرطوم. خاصة أن لموسفيني قناعة كبيرة بقدرة السودان على لعب دور متعاظم وفاعل لإعادة الاستقرار إلى دولة جنوب السودان بعد فشل دعم يوغندا العسكري لسلفاكير والذي كان بمثابة صب الزيت على النار فاشتعلت دولة جنوب السودان وبدأت تداعيات حريق الجنوب تنعكس سلبيا على يوغندا في الجوانب الاقتصادية والسياسية والأمنية. أصوات تطالب بالانسحاب وقد كان التدخل اليوغندي في الحرب الدائرة في دولة جنوب السودان خصماً على الحكومة اليوغندية داخلياً وخارجياً حيث تعالت الأصوات المنادية بضرورة أن يسحب الرئيس يوري موسفيني قواته من دولة جنوب السودان. وكان محرك مطالبات وضغوطات الداخل اليوغندي الخسائر الفادحة التي منيت بها القوات اليوغندية في حرب الجنوب. كما توسعت هذه المطالبات خارجياً بعد تواتر معلومات عن أطماع يوغندية في أراضي وثروات الدولة الجديدة. وهي مواقف شكلت جميعها ضغطاً قوياً على حكومة كمبالا فلم يجد موسفيني مفراً من اللجوء إلى الخرطوم لتٌخرج كمبالا من مأزق الانحياز لجوبا والتورط في محرقة جنوب السودان. السودان والمعارضة المسلحة من جانبها فإن الحكومة السودانية التي طرحت مبادرة الحوار الوطني تراهن على قبول المعارضة وخاصة المسلحة لاكتمال حلقات نجاح المبادرة، لهذا تحركت بشكل جيد في ملعب الراهن السياسي والأمني بالمنطقة ضاربة بحجر واحد أكثر من عصفور. " الحكومة السودانية التي طرحت مبادرة الحوار الوطني تراهن على قبول المعارضة وخاصة المسلحة لاكتمال حلقات نجاح المبادرة " وكانت الخرطوم تستهدف بذلك تجاوز مطب الجمود في علاقتها مع كمبالا، وعينها في الوقت نفسه على استقطاب القوى المعارضة والمسلحة بالخارج وليوغندا ارتباطات وثيقة بكبرى هذه الحركات وتحتضن أراضيها الكثير من الحركات السودانيَّة المتمردة. وتمثّلت نجاعة تحرك الحكومة السودانية في استغلال علاقات الرئيس يوري موسفيني ببعض المنظمات الإقليمية والدولية وبعض الشخصيات، الأمر الذي كان له انعكاس إيجابي على فتح "نفَّاج" في جدار أزمة الخرطوم بكمبالا. ومن ثم عقد الرئيسان البشير وموسفيني لقاءاً مهماً في أديس أبابا على هامش القمة الأفريقية مطلع العام الماضي أخرجا فيه الكثير من الهواء الساخن ولكنهما في نهاية اللقاء تصافحا والتقطا صوراً تذكارية كانت مؤشرا لمرحلة جديدة تجري فيها سفن العلاقة نحو بر التحسن. تحركات دبلوماسية شعبية ولتشهد الفترة التي أعقبت ذلك اللقاء الشهير تمثيلا دبلوماسياً جيداً في سفارة السودان بكمبالا تبعه تحركٌّ شعبي تمثل في زيارة تأريخية لوفد من المجلس الأعلى للجاليات السودانية برعاية جهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج بقيادة السفير حاج ماجد سوار. حيث أمضى الوفد الشعبي السوداني مع الرئيس يوري موسفيني نحو أربع ساعات في باحة قصره الأنيق بالعاصمة كمبالا، ساعات اتسمت بالأريحية واللطف والنقاش الحر وتبادل القفشات والاستماع إلى الموسيقى والغناء السوداني من الفرق التي صاحبت الوفد. وقد حقَّز التعاطي الإيجابي للرئيس موسفيني مع الوفد الشعبي، الحكومة السودانية لارسال وفد رسمي بقيادة نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبد الرحمن، في زيارة إلى يوغندا ولقاء الرئيس موسيفيني. حيث وضعت الزيارة نقطة في نهاية الخلاف بين الخرطوم وكمبالا لتكون بداية السطر الجديد إنعاشاً لآمال التطبيع في علاقة السودان بيوغندا. وجاء تعزيزها بزيارة الرئيس يوري موسفيني الحالية للخرطوم والتي سيقبر بها جثمان القطيعة المسموم بين كمبالا والخرطوم.