هو ذلك العنف الذي تكون دوافعه وأهدافه سياسية، رغم اختلاف القوى المحركة لهذا العنف في الأهداف والفكر، وفي الإطار والمفهوم... إن القصد من هذا العنف هذا استخدام القوة أو التهديد باستخدامها لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية، لها أبعاد سياسية وهذه الأعمال قد تكون فردية أو جماعية، سرية أو علنية وتوجه مباشرة الى الإنسان أو الممتلكات أو الاثنين معاً، وقد تكون منظمة أو عشوائية. تساؤلات: هل لانعدام ممارسة الديمقراطية أو الانتقاص منها يقود الى مرحلة من مراحل العنف السياسي؟ على مستوى السودان هل تلاشت أو غابت الديمقراطية بمفهوم أهلها ومهندسيها من ساحات السياسة السودانية بمستوى يكفي أو يقود الى تولد العنف السياسي؟ كما نشاهد بعضه ونتابعه في بعض الدول الفاقدة للديمقراطية؟ هل أُفسح المجال أو وجدت النكتة السياسية لينتج عنها الانفراج النفسي السياسي لما يقود الى الممارسة الحقة على جادة الطريق، وهل طبيعة الشعب السوداني تتحمل أو قابلية تحمل مخرجات النقطة السياسية الهادفة وتتفاعل معها )حاكمة كانت أو محكومة( أم أن الطبع غلاب، هل يمكن للنكتة الحرة اللاذعة ولكنها هادفة أن تكون بديلاً عن العنف بمعناه وأسلوبه السائد، وتتقبلها الحكومة والتصنيفات التابعة لها وأن تكون -(أي النكتة) -أداة للتغير بدلاً عن العنف؟.. هذه أسئلة من الضرورة بمكان أن تجيب عنها أي سلطة حاكمة، وأن تعيها كيانات حزبية داخل أروقتها، وفي علاقاتها البينية فأي حزب يوماً ما على آلة الحكم محمول، وسيجابه ذات الأسئلة وعليه أن يعلم أن العنف السياسي ليس قاصراً على نظام حكم بعينه، بل أن الحكم الديمقراطي تتزايد فيه مساحات العنف وأسبابه. لا يمكننا تناول العنف السياسي في السودان بمعزل عن الأحداث خاصة في المحيط العربي بحكم الفكر والفكر المضاد، اللذين سادا المنطقة العربية، وما يصاحب ذلك من تغيير للأنظمة وما يتطلب أحياناً من عنف وعنف مضاد (أحداث يوليو 71 أحداث سبتمبر 2013، ثم أبريل 85 وبقية الأحداث). لقد أخذ العنف والعنف المضاد الطابع العسكري إلا أننا نجد السياسة في لب التطاحن بأسبابها وغاياتها. يجب علينا ألا نتغافل أو نتناسى أحداث الربيع العربي، وهي أصدق نموذج للعنف السياسي والاجتماعي والعنف المضاد، حيث توفرت عناصره في الدول التي شهدت ذلك الربيع وتوفرت بعض عناصره أيضاً في الدول التي كتبت لها النجاة من إعصار ذلك الربيع، والسودان من بين هذه الدول، ولكنه ليس بمعزل عن تداعيات أحداثه مع العلم أن هناك أسباباً منطقية سياسية واجتماعية وأيضاً ظروف عسكرية محيطة بالدولة، جعلت ليست الاستحالة بل تقدير موقف حكومي وشعبي أبعد اللون الأحمر القاني للربيع العربي لأهل السودان، رغم المعارك في دارفور وجنوب النيل الأزرق وجبال النوبة ،ولكن الحق يقال إن كل عوامل العنف السياسي المصاحب للربيع العربي كانت متوفرة حسب تقديرات المراقبين والمحللين. الآن وقد تواترت الحكومات وتعاقبت الوزارات وتغيرت مسببات الأحداث التي يتم عبرها تعكير الجو السياسي وتلعب عوامل خارجية أخرى فاعلة دوراً في ميكانيكية تحرك أحداث العنف السياسي، إما مباشرة أو بنظام السيطرة من على البعد، أو الوجود الداخلي للوكلاء والبدلاء السياسيين للنظام القائم أياً كان، يبرز التساؤل: هل تغيرت السياسة أو أسلوب التعاطي السياسي لتتغير حيالها أساليب عنف مقاومتها ووسائلها؟، هل العقلية السياسية السودانية الكائنة استطاعت أو لها المقدرة على التخلص من هواجس التهميش التي قد تكون ذاتها سبباً من أسباب العنف السياسي- كما اتضح في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق والشرق- ومن هذا المنحى نجد أن بعض مناطق الشمال تمسكت وتمنعت بالصبر على إهمال المركز لها ونأت بنفسها عن دائرة العنف السياسي إلا بالرأي العنيف والنكتة السياسية اللاذعة. الحركات المسلحة أياً كان موقعها واتجاهاتها الفكرية أو الجهوية، رغم عملية الحوار الوطني التي تنتظم البلاد وتوجه الدولة (وأحسبها صادقة) لتمكين الخيار الشوري الديمقراطي نظاماً وأسلوباً للحكم وإدارة البلاد نجدها (أي التحركات ما زال بعضها يحرك أصابعه الخفية) وهي الآن ليست خافية على أحد رغم اقتناعها بقناعة الشعب وخياراته في مسائل معينة ما زالت أو لنقل إنها تتحسب لأمور متوقعة من الخارج، لتقوم بتحريك الشارع السياسي خاصة قطاع الطلاب لإحداث العنف الذي بالتأكيد لا يقابله إلا الخيار المماثل سواء من القطاعات الأخرى أو الجهات الرسمية، وهو بالتأكيد ما يؤجج العنف الذي تحسب له الدولة الآن ألف حساب. إن عوامل نجاح وفشل العنف السياسي الذي يهدف لإحداث التغيير الذي تراه الجهة المحركة للعنف تتساوى إذ تلعب المعطيات والفرضيات والاحتمالات دوراً كبيراً في تحقيق ذلك النجاح أو الفشل.. الأمر الذي يتطلب إجراء تقدير موقف زمني لا تتغافل كل الجهات عن توالي وتتابع الأحداث المصاحبة لأي منهم في أزمنة محسوبة للتقاطع أو التقابل مع أحداث أخرى ،قد تجري بالتزامن أو التتابع في الداخل أو الجوار القريب، ثم من بعد تأتي عوامل تقدير الموقف العام الذي تتداخل فيه العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، ثم الديمغرافية التي أصبحت مطية كل راكب لأمواج العنف.. يجب أن تكون مخرجات تقدير الموقف العامل لعمليات العنف السياسي واضحة المعالم محددة لأقرب المسالك وأفضل الحلول وأنجعها، للحيلولة دون وقوع العنف أو كيفية حصره أو وأده في نطاق ضيق، بحيث لا تتأثر المكونات الاجتماعية الأخرى بالدولة بأحداث ذلك الاحتواء خاصة في دولة القانون الذي يتساوى فيه الجميع. وأنت تبحث عن مكونات العنف السياسي من الناحية البشرية قطعاً ستقفز الى ذهنك شريحتان، الأولى لها فاعلية وقابلية تحريك الشارع العام والخاص وهي فئة العمال، والثانية شريحة لها قابلية التأثير على كل شرائح المجتمع إذا أصاب مكوناتها المنتشرة ما يعكر صفاءها أو تسببت هي نفسها في ذلك التغيير وأعني بها شريحة الطلاب صاحبة القاعدة العريضة، وقد اتفق الباحثون والمتخصصون على أن هاتين الفئتين هما اللتان تلجأ اليهما، بل وتوجههما المكونات الحزبية المعارضة أو الرافضة للنظام ، لإحداث عنف اختباري محدود (بالونة اختبار) لقياس مدى استعداد الشارع السياسي المضاد ومدى استعداد السلطات أيضاً. إن العنف السياسي الطلابي هو الحراك الذي تتلقفه القوى السياسية لإحداث الصدام الذي يقود دائماً الى ما لا تحمد عقباه، خاصة إذا تمحور الصراع أو العنف كما قلت في المناطقية أو الجهوية المدمرة لأركان المجتمع التي تقوم على التوادد والتراحم والتآزر، إذاً فالطلاب الآن هم الوقود الذي يتم به قدح زناد العنف السياسي داخل المدن الجامعية خاصة في العواصم وعاصمة العواصم. إن مؤشرات العنف السياسي إن لم تكن كلها فبعضها تلحظه الأعين وتؤيد ما تراه الأعين، الأحداث الجارية إما في الداخل أو الجوار القريب وهذه الأحداث يكاد المرء يجزم أنها مدفوعة الثمن، فالتظاهرات وأحداث الشغب أو الإضراب هناك من يدفع ثمنها، وهناك من يقبض ولن أتناول باقي مؤشرات العنف السياسي ليس لانعدام مسبباتها، ولكن لأن الموقف العام يتطلب أن تكون الأمة السودانية جبهة واحدة متماسكة لمجابهة التحديات التي تعني كل الخطر على الدولة وتماسكها ولتكون أو لا تكون..!!