بايرن ميونخ يتغلب على تشيلسي    نادي دبيرة جنوب يعزز صفوفه إستعداداً لدوري حلفا    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "مرصد الجزيرة لحقوق الإنسان يكشف عن انتهاكات خطيرة طالت أكثر من 3 آلاف شخص"    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    سيناريوهات ليس اقلها انقلاب القبائل على المليشيا او هروب المقاتلين    عثمان ميرغني يكتب: المفردات «الملتبسة» في السودان    خطوط تركيا الجويّة تدشّن أولى رحلاتها إلى السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. خلال حفل بالقاهرة.. فتيات سودانيات يتفاعلن في الرقص مع فنان الحفل على أنغام (الله يكتب لي سفر الطيارة) وساخرون: (كلهن جايات فلاي بوكس عشان كدة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    حياة جديدة للبشير بعد عزله.. مجمع سكني وإنترنت وطاقم خدمة خاص    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    هدف قاتل يقود ليفربول لإفساد ريمونتادا أتلتيكو مدريد    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    مبارك الفاضل..على قيادة الجيش قبول خطة الحل التي قدمتها الرباعية    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    السودان يدعو المجتمع الدولي لدعم إعادة الإعمار    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    السودان يستعيد عضوية المكتب التنفيذي للاتحاد العربي لكرة القدم    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في سيكولوجيا الكراهية والعنف وتداعياته السياسية !!!!
نشر في حريات يوم 17 - 09 - 2011

” على البشرية أن تضع حدا للحروب, أو الحروب سوف تضع حدا للبشرية “
جون كينيدي
كما يرد في إحدى تعريفات الكراهية بأنها المشاعر الانسحابية التي يصاحبها اشمئزاز شديد, نفور وعداوة أو عدم تعاطف مع شخص ما أو شيء أو حتى ظاهرة معينة, تعزو عموما إلى رغبة في تجنب, عزل, نقل أو تدمير الشيء المكروه, يمكن أن يبنى على الخوف من غرض معين أو ماضي سلبي نتج عن التعامل مع ذلك الغرض, يمكن للناس أن يشعروا بالنزوع أو المشاعر أو الأفكار التي تستلزم الكره, كعلاقة الكره والحب. أحيانا يستخدم لفظ ” الكراهية ” عرضا للمبالغة في وصف شيء لا يطيقه شخص ما, مثل شكل معماري معين, حالة طقس, وظيفة معينة وحتى بعض أنواع الطعام. وتستخدم كذلك لفظة الكراهية لوصف إجحاف أو حكم مسبق, تعصب أو إدانة تجاه فئة أو طبقة من الناس وأعضاء هذه الفئة, والكراهية العنصرية والقومية والدينية والمذهبية والسياسية هي من اخطر أشكال هذه الكراهية ومن الممكن أن تسبب في تدمير كل البشر إذا استقرت وتحجرت في عقول الكارهين بدون حل لشفرتها ومسبباتها ووضع برامج شاملة لردعها وحصرها في نطاق محدود !!!.
وإذا كان العنف باعتباره المظهر الصارخ في التعبير عن كراهية الآخر, والذي يقترن باستخدام القوة الفيزيائية, فهو ذلك الآفة الاجتماعية المانعة للوحدة المجتمعية والمحرضة على شيوع القسوة بين الناس ومنع المودة وزرع الأحقاد الفردية والجماعية بين مكونات المجتمع الواحد بكل تنوعانه السياسية والمذهبية والاثنية, وهو لم يكن بشكله هذا يوما ما فطريا ومتأصلا في الطبيعة الإنسانية, بل هو نتاجا معقدا لمنظومة من العوامل الاجتماعية والتربوية والحكومية والإعلامية, والتي تعمل جاهدة في صياغة عقل وحيد الجانب لا يرغب في المعايشة والتكيف مع التنوع الفكري والعقلي والثقافي في البيئة المحيطة, ومن هنا صح قول عالم النفس السلوكي ” سكينر ” إن العنف يبدأ في الرؤوس قبل استخدام الفؤوس.
وإذا كانت الكراهية في بعض الأحيان مزاجا كامنا غير معبر عنه في العلن بسلوكيات مطابقة له, فأن العنف العيني باعتباره معبرا عن الكراهية بأساليب مختلفة يعتبر لغة التخاطب الأخيرة مع الواقع ومع الآخرين حين يحس المرء بالعجز عن إيصال صوته بوسائل الحوار العادي في ظل ظروف بيئية غير مواتية للحوار المتبادل يسودها الاحتقان وعدم احترام حرية الرأي والرأي الآخر. والعنف من الناحية النفسية هو صورة من صور القصور الذهني حيال موقف معين, والعنف وجه آخر من أوجه النقص التقني في الأسلوب والإبداع في حل ومواجهة معضلة وقد يصل العنف لمرحلة الانهيار العقلي والجنون ” فصام العقل ” كما قد يكون وسيلة من وسائل العقوبة والتأديب أو صورة من صور تأنيب الضمير على جرم أو خطيئة مرتكبة ولن يتعدى في كل أحواله القصور الذهني والفكري لدى الإنسان وهو في حالة من حالاته اضطراب في إفرازات الغدد الهرمونية في جسم الفرد وعدم تناسب أو انتظام في التوزيع الهرموني داخل الجسم الذي قد ينتج أحيانا عن سوء في التغذية أو سوء اختيار نوعيتها.
ومن الناحية النشوئية والإنمائية يرى علماء النفس أن الطفل لا يكون قادرا على إتيان أفعال الخير أو الشر إلا بعد أن تشكل الأنا وينمو الوعي بالذات لديه, وطالما لم يكن للأنا عنده معنى ظلت أفعاله محايدة من الناحية الأخلاقية, لا تقبل إصدار أي حكم أخلاقي بشأنها, بحيث يمكن القول أن للطفل طبيعة, ولكنه لا يمتلك مزاجا أخلاقيا. إن الخير والشر هما من الإمكانيات التي تنطوي عليها طبيعة الطفل, ومع تنامي الوعي بالذات تنتقل من الإمكان إلى الفعل, وتفصح عن نفسها في شكل سمات المزاج الثابتة نسبيا. حينئذ فقط يمكن القول عن الشخص بأنه فاضل أو رزيل, عدواني ومسالم, ويصبح الخير أو الشر وظيفة من وظائف الأنا. ويتوقف تشكل هذه الوظائف ونموها على طبيعة التنشئة الاجتماعية التي خضع لها الطفل, فقد تكون من النوع الذي يساعد على تنامي هذه السمة أو تلك أو من النوع الذي يحول دون ذلك !!!.
وتتأثر عملية التنشئة الاجتماعية بمنظومة من العوامل المتشابكة والمتداخلة, ابتداء من ولادة الطفل ونشأته الأولى في البيت والأسرة متأثرة بعوامل مختلفة كالقسوة وعنف التربية والحرمان الطفولي في إشباع الحاجات المختلفة النفسية منها, كالأمن والأمان والاحترام والاستقلالية, وكذلك الحاجات المادية من تغذية مناسبة وملبس وسكن و الخلو من الإمراض المزمنة وغيرها, ثم الدائرة الثقافية والبيئية ومدى غنائها بعوامل التنشئة الايجابية أو العكس, مرورا بالنظام التربوي والتعليمي باعتباره المصدر لمنظومة القيم والاتجاهات السلوكية المختلفة, ومدى إمكانياته في الاعتراف الفعلي بالشخصية الإنسانية وتنميتها على روح الحوار البناء وتقبل الآراء المغايرة, وكذلك تتأثر عملية التنشئة الاجتماعية بعوامل القهر الاجتماعي العام الذي يتعرض له الأفراد, من اغتصاب للحقوق وعدم تحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وعدم احترام الأقليات الدينية والعرقية والسياسية والفكرية, وجميعها عوامل مولدة للعنف والعدوان والشر على نطاق واسع وعلى المستوى الفردي والاجتماعي وبمدى خطير يصعب التنبؤ بنتائجه الضارة. ومهما تكن أسباب العنف ودوافعه فهو فعل سلوكي مرفوض حضاريا وأخلاقيا وسلوكيا واجتماعيا, وهو مؤشر خطير للتفكك الاجتماعي وزرع الخوف والقلق في الطرف الآخر الذي يقع عليه فعل العدوان, إلى جانب كونه وسيلة منبوذة لحل المشكلات لأنه يخلق عنفا مضادا فتتسع دائرة العنف كالنار في الهشيم في كل ثنايا ومكونات المجتمع !!!!!.
أما بالنسبة لثقافة العنف والكراهية في مجتمعاتنا العربية اليوم وعلى المستوى الفردي والمجتمعي والسياسي فهو لا يخرج عن الإطار العام الذي تمت الإشارة إليه, ولكن بخصوصية أعمق وتركيز شديد هو نتاج معقد لمنظومة العوامل الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والتي ألقت بضلالها الكثيف في تشكيل هذا السلوك المعرقل لنهضتها في مختلف المجالات. فإذا استثنينا العمق التاريخي الثقافي في نشأة العنف والعدوان والمتمثل في الصراعات السياسية منذ نشأة الدولة الإسلامية الكبيرة والصراعات التي جرت في أكنافها, وحتى ما قبل ذلك التأريخ, والتي أسست للعنف والعنف المتبادل والتي أدت في مجملها إلى انقسام الأمة الإسلامية والعربية إلى فرق وأحزاب متقاتلة, والتي لا زالت آثارها ماثلة ومؤثرة بشدة اليوم في حاضر الأمة ومشهدها السياسي, وإذا أبعدنا أيضا عن السياق جوهر تأثيرات المجتمعات العربية الأبوية البطريركية وتأسيسها للعنف والتسلط ضد المرأة الزوجة والمرأة الإنسانة والأخت, وإشاعة قيم الذكورة التي تنزل القصاص بقيم الأنوثة وتفرض قيودها وقيمها كيف ومتى ما تشاء, وتفرض قيم الإكراه والقسر والتقيد وعدم المساواة بالعنف والقوة, وهو نقيض قيم المساواة والرحمة, وجميعها تؤسس للعنف وإعادة توليده في رحم الأسرة أولا, ثم لاحقا وعلى أساسه في عقول أفراد المجتمع وقياداته, فأن العنف في العقود الأخيرة نشا مستشريا على خلفية فكرية ودينية وسياسية, وهو ذو أبعاد جمعية خطيرة لرسم صورة المستقبل !!!!.
لقد سيطرت لعقود طويلة حكومات عربية ذات طبيعة اقصائية متمثلة بحكومات الحزب الواحد ذو المسحة القومية الشوفينية والوطنية الزائفة والبعض منها متلبس بلباس الدين, وقد شنت حروبا داخلية ضد كل الأفكار والتنظيمات السياسية المغايرة لتوجهاتها, مستخدمة ذرائع الحفاظ على الوطن والوطنية وانجاز ” التنمية ” الاقتصادية والاجتماعية تحت قيادتها التاريخية والحكيمة والمخلصة للوطن هي وحدها فقط, مما حصر وكرس مفهوم الوطن والوطنية والبناء الاجتماعي بجهة سياسية واحدة تدعي المقدرة الفريدة في قيادة المجتمع, وقد ترتب على ذلك القيام بحملات العنف والاعتقال والإبادة الجماعية لكل من يخالفها في الآراء والتوجهات السياسية وتخوين المعارضة السياسية والتشكيك بوطنيتها وزجها في غياهب السجون والمعتقلات, مما أسست إلى ظاهرة العنف والعنف المتبادل لحماية النفس من قبل الطرف الآخر الضحية. وقد لعبت لديها الهواجس الأمنية وافتعال الأعداء في الداخل والخارج جل اهتمامها مستنزفة موارد البلاد المالية لزرع الرعب والتنكيل بالشعب لأغراض البقاء في الحكم مهما بلغت تضحيات الشعب, كما استخدمت كافة قدراتها الحكومية من مؤسسات إعلامية ومنظمات سياسية رسمية موالية لها وحتى مؤسساتها الدينية من اجل تعبئة الناس وغسل أدمغتهم لأغراض احتكار السلطة والبقاء فيها وإشاعة الفساد الإداري والأخلاقي والمالي وممارسة الالتفاف والتلفيق والخداع والكذب كآلية للبقاء في الحكم, وخلق منظومة قيمية موالية لمنظومة الحكم, مما أدى هذا إلى خلق حالات من الكراهية والعنف بين شرائح المجتمع المختلفة, وخاصة بين الشرائح المنتفعة من النظام والشرائح الأخرى المتضررة منه !!!.
كما يلعب اليوم الخطاب الديني المتطرف بشقيه التكفيري والسياسي دورا خطيرا في زرع الكراهية والعنف بين شرائح المجتمع, سواء من ذات الدين الواحد عبر إشاعة الفرقة بين طوائفه ومذاهبه المتنوعة, وكذلك بين المجتمع المتعدد الديانات عبر فرض أجندة دينية وسياسية دينية وحيدة الرؤى, مما يحرم الآخرين من حق التمتع بممارسة حقوقهم الدينية وحريتهم في المعتقد, و يخلق بيئة مواتية للعنف والعنف المضاد تراق فيه دماء الملايين من مختلف الأديان والمذاهب والطوائف المختلفة. وبما أن الكراهية والعنف منبوذ ومدان في كل القيم والأديان السماوية وغير السماوية فأن اللجوء إلى تأويلات متشددة ومتحيزة ومزاجية بل ومصلحيه للنص المقدس وللأحداث التاريخية والافتراضات العبثية لنيات الآخرين المغايرين في الدين أو المذهب واستحضار الجانب المؤلم والمشكل في التاريخ, ويجري هذا متزامنا مع الفتاوى التي تصدر يوميا في الخفاء والعلن من دعاة الدين لأيقاظ وإلهاب روح الكراهية والتحريض والعنف بين الناس وضرب وحدتهم الوطنية في الصميم, وهكذا يتحول العنف من قيمة منبوذة في الدين والسياسة إلى واجب ديني ” الهي ” وسياسي له الأولوية في عقول المتطرفين على بناء الوطن ونهضته !!!.
و كذلك نظرية المؤامرة في السلوك اتجاه الآخر هي الأخرى تؤسس للكراهية والتحامل والعنف بين أفراد المجتمع الواحد, وكذلك في النظر إلى العالم الخارجي, دول ومجتمعات وأفراد, وقد نشأ سلوك المؤامرة في داخل المجتمعات الذي تجسده انعدام الثقة بالآخر والشك في نية أفعاله حتى وان كانت ”حسنة ” على خلفية انعدام الثقة التاريخي بين النظام السياسي وبين الشعب بصورة عامة, وبين النظام السياسي والأحزاب السياسية خارج النظام, وينشأ نتيجة لذلك فكرا وسلوكا إسقاطيا, أي ما أفكر به أنا هو الصحيح وأتوقعه من الطرف الاخر وبالتالي يجب أن أقوم بضربة استباقية قبل أن يبدأ بها الطرف الاخر, مما يعزز اتجاه الكراهية والعدوان بين المنظومة المجتمعية بمكوناتها المختلفة !!!!.
أما سلوك المؤامرة الموجه إلى الخارج وبشكل خاص إلى العالم الغربي والأمريكي والنظر أليه على انه مصدر الشر المطلق وهو سبب كل معاناتنا الأبدية فهو ناتج من النظر إلى الغرب من خلال التجربة التاريخية المتمثلة بالاستعمار وتركته الثقيلة نظرة أبدية مطلقة غير قابلة للنقد والتقويم في ظروف العصر الحالي متجاوزين ما قطعه الغرب من شوط بعيد في التأسيس لحقوق الإنسان واحترام الدول واستقلالها, فلا توجد في السياسة عداوة أبدية أو صداقة بدون شروط وخاصة في السياسة, حيث هناك تقاطع مصالح وبالإمكان أجادة اللعبة بما يلبي مصالحنا, وخاصة عندما ننظر إلى الغرب بأنه يشكل احد عناصر نهضتنا بما يمتلكه من قدرات في التقدم العلمي والتكنولوجي والمعلوماتية وكذلك تجاربه في الديمقراطية, اللازمة لنقلها واستنباتها في أوطاننا. والتجربة التاريخية تؤكد ما ذهبنا إليه, فقد كره اليابانيون الأمريكيين بعد أن دمروا مدنهم بالقنابل الذرية, ولكنهم تجاوزوا كراهيتهم, وتحولوا بعد ذلك إلى شريك تجاري كبير للولايات المتحدة. كما كرهت أوربا الألمان بعد أن خربوا مدنهم وشردوا أجيالا منهم, ثم عادت ألمانيا إلى الأسرة الأوربية بقوتها الاقتصادية والسياسية الرائدة. وينتشر تيار الكراهية والعنف اتجاه الغرب في أوساط التيار الديني المتشدد والفكر الإيديولوجي الشمولي والمعادي للغرب جملة وتفصيلا. وغدا إذا اتخذت ثورات الربيع العربي مسارا مغايرا لطبيعة الأسباب التي نشأت في ضوئها, فأننا أول ما نلقي اللوم على الغرب وأمريكا دون ممارسة النقد الذاتي لمنظومتنا الفكرية والعقائدية …. أن حديثي هذا لا يشكل تزكية كاملة لمواقف الغرب وسلوكياته, بل محاولة لإيجاد مداخل منطقية في إدارة الصراع السياسي مع الآخر !!!!.
ويشكل تدهور الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من الأسباب القوية في زرع الكراهية والعنف في البنية المجتمعية, فانتشار الفقر وتدني مستوى الحياة وضعف الخدمات الاجتماعية من صحة وخدمات عامة, وكذلك ارتفاع نسبة الأمية الأبجدية والحضارية بين مختلف الفئات الاجتماعية وخاصة الفقيرة منها, واستشراء الفساد بمختلف مظاهره الإدارية والمالية والأخلاقية, وغياب العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات الوطنية واستئثار الحكم وحاشيته بالثروة الوطنية, جميعها عوامل تأسس للكراهية والحقد والعنف بين مكونات المجتمع !!!!.
أن العنف والكراهية الناتجة من الأسباب المجتمعة و المذكورة أعلاه تفضي إلى اضطراب في منهجية التفكير النقدي البناء وقصور في الفكر الجدلي الذي تجسده حالة العجز في الجمع في سياق واحد بين الأوجه الموجبة والأوجه السالبة, والعجز في الجمع بين المميزات والعيوب لمسألة ما سياسية كانت أم اقتصادية أم اجتماعية وسيطرة المستوى السطحي من التفكير الذي يشكل قناعا يخفي الحقيقة, وإطلاق الأحكام القطعية والنهائية بشكل مضلل, وطغيان الانفعالات وما يرافقها من نكوص على مستوى العقلانية والعودة إلى المستوى الخرافي, والى الحلول السحرية والغيبية, والى الإرهاب باعتباره واجبا ” مقدسا ” أو حلا قسريا للأزمة النفسية والسياسية. ومن هنا تأتي أهمية العمل على أكثر من صعيد وعلى أكثر من جبهة للحد من العنف وسلوك الكراهية, وخاصة في ظروف التغير العاصف الذي يمر به اليوم العالم العربي ولكي لا نخسر أول الانجاز, فهناك جبهة بناء المؤسسات الديمقراطية, وجبهة إعادة البناء الاقتصادي والتأسيس الحديث للبنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية, وهناك جبهة الإعلام والتركيز على ما هو مشترك وايجابي بين الأديان وشعوب المنطقة, وكذلك الجبهة التربوية والتعليمية وإعادة بناء نظم التعليم على أسس الحداثة ومعطيات العلم والتقدم التقني, وهناك أيضا إعادة صياغة لعلاقة الدين بالدولة بما يؤمن احترام الدين وعدم استخدامه في السياسية وكذلك إعلان القطيعة مع كل موروث مسبب للفتنة ويسئ للمبادئ العامة للدين ووظيفته الفطرية… إنها مهمات ليست سهلة ولكن يتوقف عليها مستقبل المنطقة العربية بأسرها وربيعها الثوري !!!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.