يتميز الحس الأمني بقدرته على جعل الإنسان لو أحسن الإحساس به والاستجابة لمطلوباته وحسن توظيف معطياته بتوقع العمل الإجرامي ويتنبأ بحدوثه. ومن ثم يتخذ من الإجراءات ما يكفل منع وقوعه أو على الأقل الحيلولة دون استفحال آثاره أو في أسوأ الظروف أماكن الإسراع بضبط مرتكبيه، وبالتالي اتخاذ ما من شأنه منع هروبهم بعد اتمام أفعالهم. ويقصد بالتوقع ذلك الاحساس الداخلي لدى رجل الأمن والقائم على إمكان تصور حدوث أمر ما بشكل عام يتعرف فيه على مصدر الخطر ومكان بروزه منه، والشخص القائم بإحداثه، وذلك كله خلال فترة زمنية غالباً ما لا تتجاوز عمر الحدث الأمني أو الحالة الأمنية الراهنة، وبالطبع يصعب أو يستحيل تحديد فترة زمنية بعينها يمكن أن يحصر الاحساس الأمني فيها لإمكان القول بنشأة التصور بالحدوث خلالها باعتباره بمثابة توقعاً أمنياً، وبعبارة أخرى لا يمكن تحديد مدة محددة ينحصر الخطر الإجرامي فيها لإمكان القول بتوقع حدثه خلالها، فمثلاً لا يمكن القول بأن الحس الأمني توقع اغتيال شخصية مهمة مثلاً في خلال أسبوع أو أسبوعين أو شهر. وإنما يتوفر التوقع رغم عدم القدرة على تحديد حدوث الخطر فترة بذاتها. أما التنبؤ الأمني فيقصد به ذات المعنى السابق تحديده بشأن التوقع الأمني، أي بعبارة أخرى ذلك الاحساس القائم لدى رجل الأمن والمعتمد على تصور حدوث أمر بشكل عام يتعرف فيه على مصدر الخطر، ويمكن بروزه منه وشخص القائم بإحداثه، ولكن خلال فترة زمنية مستقبلية غالباً ما تكون بعيدة، ومثال ذلك قيام بعض الأجهزة الأمنية أو كوادرها بتوقع حدوث جريمة إرهابية خلال الاحتفال بإحدى المناسبات القومية بعد يوم أو يومين، موضحة فيها توقعها مصدر الخطر والشخص المرشح للقيام بتنفيذ أعماله،وماهية تلك الأعمال وكيفية إتمامها. أما إذا كان ذلك الاحساس بوجود الخطر غير مجسد حدوثه خلال ذلك الاحتفال بتلك المناسبة، وإنما مجسد حدوثه خلال الشهر القادم أو خلال الفترة الزمنية القادمة بشكل غير محدد بصورة حاسمة، فإن ذلك كله يدخل في نطاق التنبؤ الأمني باعتباره احساساً غير محدد في الحال أو المستقبل القريب، وإنما يتجسد الاحساس به خلال المستقبل البعيد أو غير المحدد بفترة زمنية بشكل حاسم أو جازم، وتأسيساً على ذلك، فإنه يمكن القول إن كلاً من التوقع والتنبؤ احساس عام يمكن أن يكشف عن مصدر ذلك الخطر والشخص القائم به بشكل عام يتمكن به رجل الأمن، إما من التحوط لحدوثه والحيولة دون إتمامه، أو بصورة تساهم في حسن وصوله إلى مرتكبي العمل الإجرامي. بيد أن الفارق الأساسي بين كل من التوقع الأمني والتنبؤ الأمني يكمن في النطاق الزمني المتجسد للاحساس بالخطر، والذي يتم خلاله، حيث يتمثل التوقع الأمني في الاحساس بالخطر في زمن يبعد عن لحظة الاحساس والتنبؤ به، والأمر.. إن معيار الحال أو القرب الزمني أو بعده ليست معياراً محدداً بشكل حاسم أو جازم يمكن حصره في قدر من الساعات أو الأيام أو أية وحدة زمنية، وإنما هو معيار عقلاني مرن يمكن فيه الاستهداء بفهم الرجل العادي حسب السير العادي للأمور، فمثلاً إن كان الاحساس بالخطر احساس حال في وقت حدوثه أو عقب ذلك بفترة يسيرة غالباً ما تمتد خلال ذلك الحادث الذي من أجله نشأ مثل ذلك الاحساس، فإن ذلك يمكن اعتباره توقعاً، فإحساس رجل الأمن بإمكان ارتكاب بعض الإرهابيين لبعض التفجيرات اليوم أو خلال فترة الاحتفال بأحد الأعياد القومية، فإن ذلك يعتبر توقعاً أمنياً، أما إذا كان احساس رجل الأمن يتجاوز ذلك إلى تخوف بحدوث بعض التفجيرات خلال الأيام القادمة غير المحددة بفترة بعينها قد تطول إلى أسبوع مثلاً أو شهر أو أكثر، وذلك نتيجة لحسابات أمنية ناجمة عن استقرائه للأحداث الدولية وانعكاساتها على الساحة الأمنية الوطنية، فإن ذلك يتجاوز نطاق التوقع الأمني، ليدخل بمفهومه في نطاق التنبؤ الأمني. لواء شرطة متقاعد مدير إدارة المباحث الجنائية المركزية الأسبق