تعددت زيارات نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن إلى جنوب دارفور, ولكن زيارته الأخيرة تختلف تماماً عن سابقاتها, ولا أكون قد بالغت لو قلت إنها تختلف عن كل زياراته إلى الولايات .. لكن اللافت في الزيارة الهمة والنشاط اللتان يتمتع بهما حسبو ، حتى أن مرافقته تبدو أمراً مرهقاً وبشكل كبير, حيث يحرص أن يقف على التفاصيل ، ويستفسر عن كثير من المسائل التي يمر عليها كثير من المسؤولين مرور الكرام. أكثر ما جعل شمس الزيارة تُشرق بالنجاحات، هو خلوها من الجرعة السياسية، حيث كانت زيارة سلم وإسناد إجتماعيين. سلم اجتماعي: من أسباب نجاح الزيارة هو استتباب الأمن بجنوب دارفور، ونجاح عملية الاستفتاء ، فضلاً عن استقبال تاريخي للرئيس البشير ، كلها عوامل مهدت لتكون زيارة حسبو مختلفة ، فجاءت استذكاراً للحرب بدارفور ودعوة لتناسي المرارات وتجاوز الاقتتال. بدأت الزيارة بحضور ختام مؤتمر السلم الاجتماعي لولايات دارفور الذي خرج بحزمة توصيات على رأسها جمع السلاح، وسيارات الدفع الرباعي والسيطرة على الخارجين عن القانون، مع خلق مناخاً ملائماً لعودة النازحين واللاجئين لقراهم علاوة على تقوية الإدارة الأهلية وتفعيل دورها في دعم الاستقرار وتطبيق القانون . وكما طالب المؤتمرون بالحد من جرائم الخطف ومطالب دفع الدية لإطلاق سراح المخطوفين، وتكوين آليه للاتصال بالحركات غير الموقعة لضمها لركب السلام، وتطبيق القانون واتخاذ الإجراءات الكفيلة بضبط الحدود منعاً لتسلل غير السودانيين للأراضي السودانية. معسكر كلمة .. صلح اجتماعي: كان اليوم الثاني للزيارة طويلاً وبدأت بمعسكر كلمة بمحلية بليل - (18كلم) جنوب شرق مدينة نيالا - وشهد النائب هناك احتفالاً ضخماً مع نازحي المعسكر كانت الزيارة بمثابة دعم اجتماعي كبير ، بإسناد من ديوان الزكاة الاتحادي والولائي ، وقد حرصت وزيرة الرعاية مشاعر الدولب على اللحاق بالنائب في اليوم الثاني, ووصلت للولاية وشهدت الاحتفال ، فيما كان الأمين العام لديوان الزكاة محمد عبد الرازق مرافقاً منذ بداية الرحلة. قام حسبو محمد عبد الرحمن بتسليم عشرة جرارات دعماً للمزارعين للموسم الزراعي ، إضافة إلى تسليم (50) ألف من بطاقات التأمين الصحي للنازحين بالمعسكر بجانب تمليك عدد من الأسر الفقيرة وسائل إنتاجية وتخصيص (200) فرصة حج لأعيان وقيادات النازحين. من المشاهد الجميلة رؤية نحو ألف طفل استعدوا للختان وارتدوا جميعاً جلاليب بيضاء وعلى رؤوسهم عصابة حمراء وعليها الهلال .. ولم يفت على نائب الرئيس التعليق حين قال (نبارك للعرسان وهذا يوم مهم في حياتهم). وامتدحت وزيرة الرعاية مشاعر الدولب المحلية وقالت إنها أكثر أداءً للزكاة, وتعهدت بمواصلة برامج الدعم الاجتماعي للمعسكرات ، ولعل حديث الوزيرة جاء بناءً على أن أكثر من 80% من سكان المعسكرات بجنوب دارفور بتلك المحلية، كما أن بها أكبر معسكر وهو (كلمة). واطمأن النائب على برنامج المحلية لشهر رمضان الذي سينفذ بتكلفة تفوق ال (8) ملايين جنيه, فضلاً عن الترتيبات لاستضافة مؤتمر الصلح بين المسيرية والرزيقات. كان واضحاً تغير الصورة التي كان عليها معسكر كلمة عن سابق عهده, حيث كان قاطنوه من النازحين لا يتعاملون مع الحكومة ، وقد أطلق والي الولاية المهندس آدم الفكي البشريات عندما كشف عن تسجيل نحو (30) ألف ليكونوا ضمن سكان المدن المخططة، بجانب تسجيل عدد كبير جداً لبرامج العودة الطوعية. وقد مضى نائب الرئيس في ذات الاتجاة عندما كشف عن سياسات الحكومة تجاه النازحين من خلال تمكينهم من العودة لقراهم ، وتحويلهم إلى منتجين. وقد استجاب حسبو لمطلب معتمد المحلية السني محمد أحمد إمام باكمال سفلتة طريق بطول (9 كلم) مع طريق رئيسي رابط بنيالا اقتنع المواطنون باهميته حتى أن النائب قال (أخيراً المواطنون رأسهم جا), ودعا حسبو المواطنين للاهتمام ببرامج محو الأمية. مؤتمر الأنعام القومي: من ضمن برامج النائب تشريفه الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الأنعام القومي الأول ، بنيالا والذي استجابت وزارة الرعاية وديوان الزكاة لتوجيهات مجلس الوزراء بضرورة إقامته ، وذلك أن زكاة الزروع تبلغ 74% ، بينما زكاة الأنعام لا تتجاوز دون ال (13%) ، ولعل اختيار جنوب دارفور كان موفقاً, وذلك لأن عدداً كبيراً من الرعاة والمزارعين تنقصهم ثقافة زكاة الأنعام ، ليس بالولاية وإنما في كثير من ولايات البلاد. وقالت وزيرة الرعاية إن الهدف تمكين شعيرة الزكاة ، ونبهت إلى أن أموال الزكاة لا تدخل خزينة الدولة ولا المركز بل تذهب إلى أهلها وشددت على أن الرئاسة أكدت على سلطانية الزكاة ، ونبهت على أن الزكاة لاعب رئيس في كل قضايا المجتمع وقالت إن الزكاة تحتاج إلى بناء ثقة وامتدحت متابعة نائب الرئيس للملف, وقالت إنه أول مسؤول رئاسي يزور رئاسة الديوان. وقد وصف محمد عبد الرازق خطوة قيام المؤتمر بالمهمة ونوه لأمر هام وهو تعويلهم وبشكل كبير على الإداراة الأهلية ، بينما قال الوالي آدم الفكي إن مثلث (الأمن والسلم والأنعام) سيسهم في استقرار الأوضاع بالولاية. وتحدث نائب الرئيس عن ضرورة تشكيل لجنة وزارية عليا للإشراف على زكاة الأنعام والاهتمام بالخطاب الدعوي وقدم مقترحاً حظي بالتصفيق وهو توظيف الحكامات والشعراء بدارفور بالتبشير بالزكاة وخاصة زكاة الأانعام. جولة مهمة جداً: خرج نائب الرئيس من نيالا وزار محلية السلام وحدة بلبل تمبسكو الإدارية ووقف على برنامج تطعيم الثروة الحيوانية في منطقة نائية ، قد يكون معتمد المحلية نفسه لم يزرها ، كما انتقل إلى المجمع الخدمي بلبل الذي يضاهي أجمل المؤسسات بالعاصمة وشيدته مبادرة قطر لتنمية دارفور, وفي المجمع تفقد نائب الرئيس والوفد المرافق له مخيم العيون المجاني الذي أقيم بالتعاون مع ديوان الزكاة. وعندما خاطب النائب لقاءاً جماهيرياً حاشداً قدم الشكر في مفتتح حديثه لدولة قطر حكومة وشعباً وخص بالتحية الأمير الأب حمد بن خليفة وامير قطر تميم بن حمد ووجه حسبو بإقامة كهرباء بالطاقة بالمنطقة. كسر حسبو التقليدية في اللقاءات الجماهيرية, وذلك لأن الهدف من الزيارة تعظيم شعيرة الزكاة وخاصة الأنعام حول اللقاء إلى لقاء مكاشفة مع المزارعين والرعاة دافعي الزكاة, وكان أنجح لقاء أشهده لمسؤول مع مواطنين, وذلك أن الجميع تحدثوا بصراحة يحسدون عليها, وقالوا كل ملاحظاتهم دون تحفظ ، بعد أن حثهم النائب شخصياً على التحدث وبكل صراحة. وفد نوعي: رافق النائب كلٌ من وزير الدولة بالمالية مجدي حسن يس ، والذي كان يحرص على تدوين كثير من الملاحظات في مفكرته الخاصة خاصة عندما يكون الحديث عن مشروعات إنتاجية وجمعيات تعاونية للمزارعين, كما أن كثيراً من ملفات الرعاية على صلة بالمالية وهي التي تمد الرعاية بالمال, ومن ضمن الوفد كذلك وزير الدولة بمجلس الوزراء أحمد فضل الذي ارتدى قبعتين كونه جزءاً من سلطة دارفور بحكم أنه من قيادات الحركة الموقعة على وثيقة الدوحة للسلام وضم الوفد أيضاً مسؤول ولايات دارفور برئاسة الشرطة الفريق بابكر سمرة. ومهما يكن من أمر فإن زيارات المسؤولين للولايات ينبغي أن تكون على شاكلة زيارة نائب الرئيس ولاّ (بلاش منها).