الفشل والنجاح: في أول أيام خدمة السودان في العصر الحديث، وفي محاولة المبشرين لإحياء المسيحية التي استمرت في السودان لمدة ألف عام، وفي البداية الصحيحة للخدمة بين أدغال جنوب السودان، وعندما كان "التكل" البسيط هو المدرسة والكنيسة، كان الفشل يبدو واضحاً في موت المبشرين الذين حصدتهم أمراض الجنوب، وفي إعداد مجئ مبشرين جدد، وفي عدم إمكانية استمرار الصرف بسبب قلة الموارد، ولكن النجاح ظل أملاً يراود كل من يخدم الله في وسط بشر ضعفاء يعيشون الجهل والفقر والمرض. أقام المرسلون في كاكا بعض أماكن الخدمة التي كانت على شكل "تكل" أو "قطية"، وأكملوا العمل بسرعة يدفعهم الحماس للعمل،و لكنها إانهارت كلها بعد ثلاثة أشهر فقط، واتضح أنهم بنوها من فروع الشجر التي دب فيها التسوس، فعاد المرسلون إلى الخرطوم وكان عددهم 14 مرسلاً بعد أن فاقوا من أوهام الحماس، وأعلنوا أنهم لم يحققوا أي تقدم أو عمل أفضل من سابقيهم، حيث كان ذلك في حكم المستحيل. وصل إلى إرسالية الصليب المقدس ستة من المرسلين الفرنسسكان، ولكنهم واجهوا الكثير من المصاعب، وبالذات من التجار، مما جعلهم يعودون بأسرع ما يمكن من حيث أتوا، وجاءت دقات ناقوس الموت على كل الإرسالية بصورة مرعبة، حيث مات 28 مرسلاً - أي نصف عدد المرسلين الذين جاءوا للخدمة - وتفجرت مشاكل أخرى، منها ما حدث في الشلال عندما نشب صراع مرير بين المرسلين الألمان والمرسلين الطليان، انتهى بطرد المرسلين الألمان، مما جعل الأب "فيفر" الذي تولى المسؤولية بعد وفاة رينزلر، يخلي طرف كل المرسلين ليعودوا إلى بلادهم، واحتفظ بمركز واحد للإرسالية وهو مركز الخرطوم، وظلت مطرانية أفريقيا الوسطى تحت إشراف الفرنسسكان، ولكن إرسالية الخرطوم لم تكن بكل العاملين فيها إلا مجرد كنيسة ومدرسة في الخرطوم، ولكن باقي المناطق خلت من الخدمة المرسلية والتبشيرية . أحلام وكوابيس :- كان دكتور "جوزيف ناتيرر" هو القنصل المفوض من النمسا في الخرطوم في عام 1859 عندما أمر كيرشنر مرسليه بالانسحاب إلى الشلال، وأيضاً عندما وجد الفرنسسكان أنفسهم مرغمين على التراجع، وكان قد ناقش الأمر مع فيفر الذي تولى المسؤولية بعد وفاة رينزلر، واقترح ناتيرر سحب المرسلين، بانياً اقتراحه على أن الإرسالية لم تحقق أي نتائج مقنعة منذ بداية عملها، مع أن الإرسالية عمدت مئة من الأفارقة، إلا أن ناتيرر ادعى أنه لم يبقَ من هؤلاء المعمدين أحد متمسكاً بمسيحيته، أو حتى يعيش حياته حسب الأمانة المسيحية، وأنه لم يتمكن أحد منهم من الصمود أمام اختبار الزمن، وقال نايترر: إنه على قناعة تامة بأن الإرسالية فشلت في أداء عملها الأساسي كإرسالية لها خدمتها الروحية.