والخرطوم ترتدي أجمل ما عندها وتتزين احتفالاً برأس السنة الميلادية ، وشوارعها تمتلئ بملصقات الحفلات ، مرّت ذكرى الهجرة النبوية الشريفة مرور الكرام دون أن يعلم بها إلا من رحم الله ، وحتى الإجازة (الخجولة) التي قررتها الدولة في وقت متأخر لم تكن كافية ليعلم الناس بالمناسبة العظيمة، وبالتأكيد هذا مؤشر خطير تحوّلت معه بلادنا من حال إلى حال، الله أعلم به وبمآله ، فمن المؤسف جداً أن تمر ذكرى الهجرة الشريفة دون أن تجد الاهتمام الذي يليق بها وبعظمتها ، بينما تستعد الخرطوم )عاصمة الدولة الإسلامية) منذ وقت مبكر للاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة حيث تتزين المسارح وتتأهب الحدائق العامة لاستقبال أفواج المحتفلين ويتبارى الفنانون والفنانات في تقديم الجديد وتقديم أكبر عدد ممكن من الحفلات، وصلة غنائية هنا وأخرى هناك ، وهم ذات الفنانين والفنانات الذين تجاهلوا ذكرى الهجرة النبوية الشريفة ، لم يقدموا لها أنشودة ، لا جديدة ولا قديمة، ولم يتكرم أحد منهم بذكر سيرتها.إنّها صورة مقلوبة تحتاج منّا الكثير من الاهتمام والعمل حتى (نعدلها) ، ولا نحسب أن الموجهات السنوية التي تقدمها السلطات المعنية للمواطنين تكفي ، وهي الموجهات التي لا تخرج من منع التراشق بالبيض وعدم الإزعاج وممارسة الظواهر السالبة ، مع أن مجرد الاحتفال بالمناسبة نفسها هو أم المظاهر السالبة .لا نُريد أن نحمل جهة بعينها ما يحدث ، ولكننا نشير وننبه لخطورة تجاهلنا نحن المسلمين لمناسباتنا الدينية واحتفالنا بسواها من مناسبات وأثر ذلك على أجيالنا القادمة وعلى البلد في المستقبل القريب، خاصة بعد أن غزتنا الكثير من الثقافات الغربية وأصبحت سمة ملازمة لمعظم ممارساتنا الحياتية ، فالشارع العام يوحي وكأنه أحد شوارع باريس أو لندن ، ومنسباتنا الخاصة لا تخرج من الزفة العربية أو الاستعراض الأفريقي وما فيها من ملابس، فحدث ولا حرج، وبين هذه وتلك ضاعت كثير من القيم السودانية السمحاء التي هي من روح الدين الحنيف، وبدلاً من أن تلتفت الحكومة عندنا لهذا الاستلاب وهذا الاستسلام المخيف لكل وافد ، انشغلت بالسياسة وبمشاكسات الشريكين فكان التجاهل الذي مثل أكبر مُشجع لما يحدث.كانت ذكرى الهجرة النبوية في السابق تجد من الاهتمام الرسمي والشعبي ما تجد ، كانت محل حفاوة واحتفال من المدارس ورياض الأطفال والجامعات والمجتمعات ، الكل يعلم بوقت مقدمها قبل شهور، وكان رأس السنة الميلادية يمثل عند السودانيين ذكرى الاستقلال المجيد ، وكان الاحتفال به هو احتفال بالوطن وبالشرفاء من أبنائه وبناته الذين جاءوا بالاستقلال ، فيتذكر الناس التاريخ ورجاله فرداً فرداً ، واليوم بدلاً من أن (نرفع راية استقلالنا) نجد أنفسنا نبحث عن الاستقلال والتحرّر من احتلال الثقافات الوافدة التي غزت بلادنا وعقول شبابنا ، الذي لا يعرف من الأول من يناير إلا أنّه (رأس السنة) وإلا التراشق بالبيض والماء ومعاكسة المارة بالشوارع والزحف من مسرح إلى مسرح أو حديقة إلى أخرى بحثاً عن لحظات (شيطانية) تناسب المناسبة حسب ما هو مفهوم لديه . حقيقة مناسباتنا الدينية والوطنية تحتاج لمراجعة من الدولة وتحتاج إلى إعادة صياغة في المناهج المدرسية ، وإلى دور كبير من الأُسر ، فعسى ولعل.